أعلم مسبقاً أن الجواب هو: نعم، ولكن لا داعي للقلق فأنت لست الوحيد الذي وجد نفسه في متاهة أدبية دخل بك إليها الكاتب ولم يخرجك منها.
فالكُتّاب دائماً ما يحاولون التعقيد أو التلاعب بأفكارك ومفاهيمك من خلال كلماتهم التي قد تُسمن أو تغني من جوع في بعض الأحيان لفك الشفرات الأدبية منها.
والكاتب المحترف قد يكتب جملة واحدة فقط، لكنها تحتاج إلى عقل وإدراك، وربما إلى قاموس لفك رموزها.
والكاتب (الفنان) قد يبدأ مقالته بموضوع وينتهي بموضوع آخر تماماً لا يمت للموضوع الأول بصلة، وعندما تسأله مباشرةً عن معنى النص، سوف يبتسم ابتسامة خبيثة تُكفيه عناء الشرح ويقول لك:
«المعنى في بطن الكاتب» !
يبدو أن بطن الكاتب هذه أشبه بصندوق كبير مليء بالأسرار و(البلاوي) والحكاوي والمفارقات التي لا يمكن دائماً تعريتها وإخراجها للناس بشكل مباشر، وأنت وشطارتك.
والأغرب من ذلك في معشر الكُتّاب المجانين؛ أن الكاتب يمكنه تحويل أمر بسيط جداً إلى قضية كبيرة يحكي عنها الناس، فيصوّر لك أن كوباً من القهوة الصباحية قد صنع يومه، وهي ليست مجرد مشروب عادي، وبصراحة وبعيداً عن النص، قبل أن أكتب لكم هذا المقال انكسر أحد أظافري، وتشوه منظر يدي، وعندي مناسبة قريبة ولا أدري كيف أحل هذه المشكلة!
عموماً وفي النهاية؛ سوف تجد نفسك عالقاً في دوامة لها أول ولا لها آخر، ولكن لا تقلق، إذا فُقدت في عالم الكتابة والصحافة تذكر دائماً: أن الكاتب يكتب ليتباهى ويكذب، والقارئ يقرأ ليتعذب ويُصدق.
وإذا كنت تهوى الضياع بين الكلمات وتستريح له، وتهوى قراءة سطور قد لا توصلك إلى أي نتيجة، فما عليك إلا المواصلة في هذا الدرب حتى يضرب سِلك في (نافوخك).
وأما عن زملائنا الصحفيين، فهم كالعطارين في سوق الأخبار، يبيعون الحقائق ويخلطونها بالوهم وبعض الشائعات، ويضيفون عليها رشة من آرائهم الشخصية ليصبح العنوان جذاباً وأكثر إثارة للجدل، والجميل في الأمر أن لديهم القدرة الفائقة على جعل القضايا المهمة تبدو تافهة، والقضايا التافهة تبدو مهمة، وهنا تظهر شطارة الصحفي في جعلك تتساءل:
هل كان هذا خبراً صحيحاً، أم مجرد ملء للفراغات في الصحيفة؟!
وبما أنني لستُ صحفية سأعود إلى مكاني، حيث يجتمع أصحاب القلم والرأي الذين يعتقدون أن مقالهم الأسبوعي في الجريدة هو أعظم ما حدث للإنسانية منذ اختراع الكتابة، بينما يظن القراء أن أعظم ما حدث هو انتهاء المقال بسرعة.
على كل حال، ما رأيكم في أيديولوجية الفكر الرجعي في فهم الطبقة التكنوقراطية حول ديمومة الإقصاء الفعلي لذوي الفكر الذهني البعيد عن الواقع؟!