الواقع أن مدينة الرياض أكبر من خطة مرورية لا يُكتب لها النجاح غالباً، ولا يلام المرور أمام تحدٍ لا يحتمله، وربما لا يمكنه لوحده التعامل معه دون تدخل جهات أخرى، والمقصود هنا تحديداً في أوقات الذروة التي تبدأ من الساعة السادسة وحتى التاسعة صباحاً، ومن الثالثة وحتى السادسة مساءً، حيث تمثّل تلك الأوقات اختباراً حقيقياً لتلك الخطط، واختناقاً يؤثر على نفسيات السائقين، وعائقاً أمام التواصل الاجتماعي، وجودة الحياة، واستنزافاً للوقت الذي نهدره كل يوم في مشاوير الذهاب والعودة.
أزمة الرياض الخانقة مرورياً بحاجة إلى قرارات استثنائية بدءاً من تغيير مواعيد العمل، وتوقيت الدراسة الجامعية، وسرعة تشغيل القطار، وانتهاءً بالحلول الهندسية لكثير من الطرق التي تحتاج إلى إعادة تصميم بدلاً من الاعتماد على الإشارات الضوئية، وهذه القرارات ليست سهلة، ولكنها ذات أولوية، وملحة أيضاً، ولا تحتمل التأخير إذا أردنا أن تكون العاصمة من بين أكثر 10 عواصم عالمية جذباً للسكان والسيّاح.
مهمتنا اليوم أن لا نحرم أنفسنا من جمال العاصمة، وروحها، وفعالياتها، وحياة الناس فيها؛ لمجرد الازدحام الذي أثّر على قراراتنا في التواصل، والترفيه، وبالتالي قد يؤثر على المدى البعيد على الجانب الاقتصادي لمجرد أن نبقى متعذرين بهذا الازدحام، وهو ما يتطلب أن نبادر للابتكار في الحلول، ولا أعتقد أن سكان الرياض مختلفين أن مدينتهم الجميلة بحاجة إلى تلك الحلول التي تأخرت كثيراً.
أعود إلى السؤال الذي طرحته، وأقول إن السكن القريب من العمل أولى من السكن القريب من أفراد الأسرة، سواءً الوالدين أو الإخوان والأخوات، والسبب لا يحتاج إلى توضيح أكثر مما تناولناه هنا، ولكن نضيف عليه سببا آخر وهو أن زيارة الأسرة متاح في أي وقت خارج أوقات الذروة، وليس بالضرورة يكون يومياً، بينما العمل لا يحتمل التأخير، وهو التزام يومي في أوقات العمل الرسمية، ويبقى القرار في النهاية أمراً شخصياً يتوقف غالباً على من يحتمل أو لا يحتمل ذلك الازدحام، ومن يستطيع تأمين سكن مناسب في تكاليفه بالقرب من عمله.