وبشّر شرابي بازدهار النقد الحضاري المُناهض لأيديولوجيات الفكر الثوري القديم، وغيبيات الفكر الأصولي النامي، باللجوء إلى أدوات نقدية ذات صلة بروح العصر والتحولات الكونية.
وبنى شرابي فكرته على ثلاث ظواهر كشفها العقد الأخير من القرن العشرين، وهي: (الحداثة، وقضية المرأة، والقوى أو الحركات الاجتماعية)، وتستلزم أولى خطوات النقد الحضاري، مواجهة الواقع السياسي والثقافي المهيمن في المجتمع العربي، عبر «الخروج من الأطر الأبوية واستعمال لغة تختلف عن لغة السلطة»، من أجل «خلخلة الفكر المهيمن وإقامة أسس وعي جديد». ويضيف إلى المهمة السابقة تفصيلاً يقتضي «مجابهة التيار الديني الأصولي مجابهة صريحة وكلية تشكل جزءاً لا يتجزأ من مهمة الحركة النقدية الحديثة».
ويرى شرابي، أن الحركات الدينية الأصولية «حركات سياسية تسعى، باسم الدين، إلى التوصل إلى أهداف سياسية، ما يوجب التعامل معها باعتبارها حزباً سياسياً لا أكثر ولا أقل»، كون الدين الإسلامي ليس حكراً على فئة أو جماعة أو طائفة من المسلمين تملك فيه حق التفسير والتأويل دون بقية الفئات والمكونات والأفراد، فالدين ملك كل مسلم آمن بالله ورسوله.
ونبه شرابي إلى تفادي الدخول في لا هوتيات التراث، وتجنّب الجدل حول النصوص المقدسة والامتناع عن الوقوع في شرك التوفيق بين الحقائق الدينية واكتشافات العلم الحديث. فالمجابهة الأصولية ضمن هذا الإطار «لن تؤدي بحركة النقد الحديث إلا إلى الاستسلام، إذ لا يمكن التوفيق بين الأبوية والحداثة، بين الأصولية والعلمنة».
ولفت إلى أهمية القراءة التي ينبغي أن تتقدم فعلاً قبل الكتابة، وتأتي أيضاً بعدها، إذ لا وجود لنص دون قارئ، ما يستدعي إنتاج لغة تحدث قطعاً معرفياً مع اللغة التقليدية التي لا تقوى على فهم النص النقدي الحديث، فـ «دون استيعاب النص الجديد، باستعمال المفاهيم الجديدة واللغة الجديدة، لا يمكن تغيير الوعي، والعكس هو الصحيح»، وبالتالي، فإن «العودة إلى اللغة التقليدية لتفسير الخطاب الجديد لا يكون إلا تعزيزاً للغة التقليدية وخطابها الأبوي»؛ لذا نرى أن شرابي لا ينفك يؤكد أن «الانعتاق الفكري (يرتبط) ارتباطاً عضوياً بالتحرر اللغوي».
ويذهب إلى أن اللغة مسؤولة عن صياغة الخطابات أو المقالات الفلسفية والتاريخية والنقدية، فإذا لم تكن اللغة مصوغة بوعي حداثوي، فإن من شأن ذلك أن يقود إلى هيمنة المقال الأصولي الديني، الذي يرى شرابي أنه «المقال الوحيد القادر على فرض نفسه بلجوئه إلى الشرعية الدينية والشعارات الإسلامية نفسها التي تعتمدها السلطة القائمة أساساً لشرعيتها».
ويرى شرابي، أن الحداثة تقوم على «عقلنة الحضارة وعلمنة المجتمع»، لتفادي تشويه الحداثة، فالنقد الحضاري نقد شامل وجذري، يتناول المشكلات من جذورها وينطلق من نقد ذاتي، لأوهامنا وأيديولوجياتنا وكشف ما يعتريها من مغالطات وتزييف، فالأيديولوجيات الثورية لم تفرخ سوى أيديولوجية الحزب الواحد، والأيديولوجية الأصولية لم تنجب سوى فكر غيبي ضارب في جذور الأساطير والخرافات.