وبالنسبة للمنطقة العربية (الشرق الأوسط)، فإنها تدرك الآن أن للولايات المتحدة، الحليف المغرض المزعج، منافسين أنداداً، يريدون أن يشاركوا أمريكا في «كعكة» المنطقة، بكل الطرق الممكنة، وخاصة عبر التكثيف من تواجدهم بالمنطقة. فالصين خاصة بحاجة ماسة لنفط وغاز المنطقة، عكس روسيا، والولايات المتحدة التي طالما اهتمت بالمنطقة لثلاثة اعتبارات، تخدم المصلحة والاستراتيجية الأمريكية حصرياً، وهي:
– انسياب نفط المنطقة إليها، وإلى حلفائها، بأقل تكلفة ممكنة.
– ضمان بقاء، وهيمنة إسرائيل.
– محاربة ما تسميه «التطرف الإسلامي».
بينما تهتم روسيا بالمنطقة لقربها منها، وكونها تضم أقرب الموانئ الدافئة لها، ولأهميتها للقوى الكبرى الأخرى.
****
أصبحت الولايات المتحدة الآن مكتفية ذاتياً من النفط والغاز، وبالتالي لم تعد في حاجة مباشرة لهما. ولكنها تظل مصرة على التحكم في انسيابه لأصدقائها وأعدائها، والاستفادة من عوائده، قدر الإمكان. وتراجع العنف الإسلاموي، المصطنع أصلا – إسرائيلياً وأمريكياً. أما إسرائيل، فقد أصبحت قوة إقليمية كبرى، بما تمتلكه من أسلحة دمار شامل، ودعم غربي مطلق، قد يضمن هيمنتها على المنطقة مؤقتاً، إن لم يبادر «كبار» المنطقة بمواجهة المشروع الصهيوني الخطير، الذي يستهدفهم كلهم، مواجهة فعالة. صحيح، يصعب، على المدى الطويل، ضمان «طول بقاء» لهذا الكيان الدخيل، لأنه عبارة عن دولة احتلال وعدوان، بامتياز. فمع كل ما تمتلكه إسرائيل من عناصر القوة، تبقى، في أعين معظم شعوب المنطقة، وكل الشرفاء في العالم، كياناً غاصباً محتلاً، وكريهاً، يجب أن يرفض، ويحارب. إن مستقبل هذا الكيان العدواني، رغم تمكنه الآن، يظل غامضاً، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أنه «لن يضيع حق وراءه مطالب جاد».
****
لقد بدأ العالم يشهد تواجداً أمريكياً نشطاً في المحيطين الملاصقين للصين، وفي «بحر الصين» نفسه. أضحت هذه المنطقة هي الأهم، بالنسبة للاستراتيجية الأمريكية الحالية. تليها، في الأهمية، منطقة الخليج العربي (ذات الموقع الاستراتيجي الهام، ومخزن الطاقة الأحفورية العالمي)، ثم أوروبا. ولا يتوقع – كما سبق وتمنى الاستراتيجيون الأمريكيون – أن تستمر الصين في الانشغال بنفسها فقط، داخل سورها. فقد بدأ انفتاحها على العالم، وخاصة أجزاءه الهامة، وبقوة. وكان هؤلاء يتمنون أيضاً أن تسبب حروب الاستنزاف إنهاك روسيا، وربما تفككها. ولكن روسيا مصرة – وقادرة، بما لديها من إمكانات وموارد هائلة – على أن تصبح القطب الثالث. والمحصلة، أن هؤلاء العمالقة الثلاثة باقون، في المدى المنظور، كلاعبين أساسيين على الساحتين العالمية، والإقليمية. وأن التنافس الأشد سيتم بين العملاقين الأمريكي والصيني، وبدرجة أقل بين أمريكا وروسيا. هذا إن لم يتحالف القطبان، التنين والدب، ضد الكاو بوي، باعتباره العدو المشترك العتيد الأخطر لهما.
بؤرتا الصراع (العالمي) الأكبر والأخطر حالياً (أوكرانيا وتايوان) ما زالتا ساخنتين. إصرار الصين غير المسبوق على استعادة تايوان يضع أمريكا أمام خيارين: إما الاستجابة لرغبة الصين، أو الدخول معها في حرب، غالباً ما ستتطور، إن نشبت، لتصبح عالمية. وإصرار روسيا على الانتصار في أوكرانيا يضع أمريكا أمام نفس الخيارين، إما التراجع، والتسليم بمطالب روسيا المشروعة، أو التصعيد لحرب عالمية. الأمر الذي يجعل التحالف الصيني – الروسي، ضد أمريكا والغرب، احتمالاً وارداً، وبقوة، ويجعل احتمال دمار الأقطاب الثلاثة، والعالم، أقرب من أي وقت مضى.
****
وإذا اعتبرنا المنطقة العربية، التي تسمى بـ«الشرق الأوسط»، ويسميها البعض بـ«شرق العجائب الأوسط»، نظاماً إقليمياً (World Sub-System) قائماً بذاته، نجد أن هناك بهذه المنطقة الآن أربع قوى دولية أصيلة كبرى، على المستوى الإقليمي (Regional Power)، هي: السعودية، مصر، تركيا، إيران، إضافة إلى الكيان الصهيوني. وعندما يستثنى هذا الكيان العدواني الدخيل، بما في ذلك التحالف الصهيوني – الاستعماري، العدو الأول للأمة العربية والإسلامية (الرافض لهكذا تقارب)، نجد أن في ما بين شعوب الدول الأربع المذكورة «مصالح مشتركة» كبرى، يجب استغلالها للتعاون، والتكامل، وتكوين تكتل دولي، لتحقيق هذه المصالح. وفي ذات الوقت ردع إسرائيل، كونها، بسياساتها العدوانية والتوسعية الحالية المعلنة تمثل خطراً مشتركاً على كل هذه الدول، وعلى المنطقة ككل، طالما استمرت في اغتصاب حقوق الشعب الفلسطيني، ورفض القوانين الدولية ذات الصلة بوجودها. إن التقارب السعودي – الإيراني الأخير يدفع للتذكير بهذه الفرصة الاستراتيجية الذهبية، وهذا المطلب المنطقي، الذي تهفو معظم شعوب هذه الدول، كما يبدو، للمضي قدماً، وجدياً، في تحقيقه، ولو في حده الأدنى.