احتجاجات وإضرابات أضحت كالعدوى تنتشر بين دول أوروبا، فبعد فرنسا وبريطانيا، كانت ألمانيا على موعد مع تحركٍ جديد، وصفته وسائل إعلام في برلين بأنه قد يكون الأكبر في ألمانيا، حيث نظّم عمال قطاع النقل إضراباً واسعاً، في خطوة تصعيدية للضغط على الحكومة؛ من أجل زيادة الرواتب لمواجهة التضخم، الذي تشهده صاحبة أكبر اقتصاد في أوروبا.
«التقاعد» نكسة فرنسا
أسبوع من الارتباك في الخدمات العامة شهدته العديد من الدول الأوروبية، في ظل دعوات أطلقتها النقابات العمالية للإضراب؛ ففي فرنسا، وعلى خلفية رفض قانون إصلاح نظام التقاعد، طلبت الإدارة العامة للطيران المدني من الشركات إلغاء 20% من رحلاتها في عدد من المطارات؛ من بينها مطارا باريس ومارسيليا، وذلك بسبب إضراب مراقبي الحركة الجوية، واستمرت الإضرابات إضراراً بالعمليات، وأنشطة الإنتاج، ومصافي النفط والموانئ الفرنسية، ما جعل فرنسا تسحب ملايين البراميل من المنتجات النفطية من مخزوناتها الإستراتيجية، في الوقت الذي استمر العمال في إضراباتهم.
وبدأ الحراك النقابي ضد تعديل نظام التقاعد؛ الذي طرحته حكومة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وذلك بفرض رفع سن التقاعد تدريجياً من 62 إلى 64 عاماً بواقع ثلاثة أشهر سنوياً ابتداءً من الأول من سبتمبر 2023، كما ينصُّ على زيادة مدة الاشتراكات المطلوبة في الضمان الاجتماعي من 42 إلى 43 عاماً، كي يحصل المتقاعد على معاشه التقاعدي كاملاً، أي دون أن تلحق به أي خصومات.
بريطانيا أمام مرمى التضخم
أعلنت نقابة الخدمات العامة والتجارية البريطانية، أن أكثر من 3000 موظف حكومي على مستوى أربع إدارات حكومية، سيضربون بدءاً من الـ11 من أبريل؛ اعتراضاً على الأجور المتدنية، وسيشمل التحرك جهات من بينها؛ وزارة البيئة، والغذاء، والشؤون القروية، ليطالب الموظفون من الحكومة البريطانية إجراء مباحثات مثمرة، ومنحهم زيادة لائقة في الأجور.
وبدأت الاعتصامات احتجاجاً على غلاء المعيشة في نوفمبر الماضي، بالتصاعد تدريجياً، وصولاً إلى أكبر إضراب عمالي منذ 10 سنوات في بريطانيا مع بداية فبراير 2023، حيث امتنع أكثر من نصف مليون بريطاني من الذهاب إلى أعمالهم احتجاجاً على تدني الأجور. وشاركت سبع نقابات عُمالية في الاحتجاجات التي كانت أبرز مطالبها تعديل الأجور حتى تتناسب مع تضخم الأسعار العالمي.
الأكبر منذ عقود يربك ألمانيا
تعرضت ألمانيا لشلل كبير في جميع قطاعات الحياة بعد إضرابات وصفت بأنها الأكبر منذ عقود، ما أدى لإرباك ملايين الأشخاص في بداية أسبوع العمل.
جاءت الإضرابات في وقت تعاني فيه ألمانيا، صاحبة أكبر اقتصاد في أوروبا، من التضخم.
وأُلغيت الرحلات الجوية في معظم مطارات ألمانيا، وعلق اثنان من أكبر المطارات في ألمانيا، وهما ميونيخ وفرانكفورت، الرحلات الجوية، في حين ألغت شركة (دويتشه بان) المشغلة لخدمات السكك الحديدية رحلات المسافات الطويلة. وأطلق عمال مشاركون في الإضراب يرتدون سترات حمراء أبواقاً وصفارات في محطة قطار خالية في ميونيخ، بحسب ما نشر موقع (DW).
وأعلنت نقابة (إي.في.جي) لعمال السكك الحديدية في ألمانيا أن أكثر من 30 ألف من العاملين لدى (دويتشه بان) يشاركون في الإضراب الكبير لعمال قطاع النقل في ألمانيا.
وشهدت المطارات إضرابات جزئية للعمال المطالبين بتحسين الأجور تسببت في إلغاء وتأجيل آلاف الرحلات الجوية الشهر الماضي، كما شهدت أربعة مطارات ألمانية إلغاء أو تأجيل أكثر من 680 رحلة طيران بسبب دخول العمال في إضراب جديد، ودعت نقابة العاملين في الخدمات الألمانية (فيردي) إلى هذه الإضرابات في ظل استمرار فشل المفاوضات بشأن أجور عمال أمن الطيران واستمرار الخلاف بشأن الأجور في القطاع العام.
حركات احتجاجات واسعة
في بلجيكا، تظاهر أكثر من 12 ألف عامل في القطاع العام في بروكسل في فبراير الماضي، مطالبين بسدّ العجز في القوى العاملة، كذلك مظاهرات في أكتوبر الماضي؛ حيث تجمع الآلاف في محطة بروكسل احتجاجاً على ارتفاع الأسعار، بالإضافة إلى مطالب النقابات بمزيد من القوة الشرائية في القطاع العام، والضغط من أجل زيادة الأجور وتحسين ظروف العمل.
أما إسبانيا، فنفذ 160 مراقباً للحركة الجوية إضراباً في فبراير الماضي، لمطالبة الحكومة بزيادة مؤشر أسعار المستهلك، وإزالة 12 إلى 15% من تخفيضات الأجور، بالإضافة لتظاهر الآلاف من العاملين في القطاع الصحي في العاصمة مدريد؛ احتجاجاً على نقص الموظفين والمستلزمات، رافعين شعار «الصحة لا تُباع». وبعد أن شهدت البلاد أول احتجاج كبير منذ بداية أزمة غلاء المعيشة في نوفمبر، حيث احتشد الآلاف من الإسبان في مدريد للمطالبة بزيادة الأجور.
وفي البرتغال خرج عشرات الآلاف من موظفي قطاع التعليم في القطاع العام في مسيرة للمطالبة بزيادة الأجور وتحسين ظروف العمل.
في المقابل، يلاحظ أن الحكومات الأوروبية تقف موقف العاجز أمام مطالب المحتجين بسبب الأزمات الاقتصادية المتلاحقة.
تراجع الغاز الطبيعي
وانخفضت أسعار الغاز الطبيعي الأوروبية خلال تعاملات الأسبوع الماضي مع ترقب المستثمرين تطور الإضرابات المستمرة في فرنسا، التي تعطل البنية التحتية للطاقة في البلاد.
وأشارت (ألفا إنيرجي) لاستشارات الطاقة، في تقرير إلى أن أسعار الغاز تم تداولها بالقرب من مستوى 40 يورو، ومع احتمال انتهاء اضطرابات قطاع الغاز الطبيعي المسال في فرنسا، فمن غير المرجح أن تشهد الأسواق تغيراً كبيراً في الأسعار. وتراجعت العقود الآجلة الهولندية للغاز الطبيعي تسليم أبريل -معيار الغاز الأوروبي- بنسبة 1.10% عند 42.06 يورو للميجاواط.