وفي الأحداث الكبرى التي شهدها العالم مؤخراً مثل حرب روسيا على أوكرانيا وأحداث الاعتداءات الإسرائيلية الحالية على قطاع غزة في فلسطين شهد العالم حجماً مهولاً من الأكاذيب التي تم توظيفها بتقنية عصرية رقمية لتنتج «أخباراً» موجهة للتأثير على الرأي العام العالمي، أخبار هي في ظاهرها نسخة طبق الأصل من الأخبار الحقيقية، يتم نشرها على مختلف المنصات الإعلامية الخاصة بمواقع التواصل الاجتماعي المختلفة ويتم نقلها بين الناس في مختلف أنحاء العالم بشكل فوري ومدهش.
والأخبار المضللة تم استخدامها بقوة وبأسلوب ممنهج وواضح في أحداث عملية طوفان الأقصى التي قامت بها فصائل المقاومة الفلسطينية ضد إسرائيل والتي ظلت وسائل إعلامية مختلفة عن طريق مراسليها تردد وتكرر خبر أن المقاومة الفلسطينية قامت بنحر رقاب 40 طفلاً حتى وصلت إلى الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي رددها هو الآخر في مؤتمر صحفي اضطر فريقه الإعلامي لنفي تلك المسألة والتصريح بأن الرئيس لم يطلع بنفسه على معلومات موثقة تؤكد هذا الخبر.
والآن تأخذ الأخبار المضللة زخماً هائلاً وكبيراً وفي غاية الأهمية والتأثير مع تقنية الزيف العميق deep fake والذكاء الاصطناعي والتي تقدم مادة متكاملة بتفاصيل الصوت والصورة والمعلومات بحيث يصعب تكذيبها ولا التشكيك فيها.
وهذا يضع مسؤولية هائلة ومتعاظمة على المتلقي لأن عليه واجباً مهماً يتمثل في ضرورة مراجعة الخبر من أكثر من مصدر موثوق قبل نقله أو اعتماده أو الاستشهاد به.
لم تكن مهمة المهنية الإعلامية تواجه التحدي الوجودي كما تواجهه هذه الأيام، باتت منصات التواصل الاجتماعي في الكثير جداً من الأوقات مستنقعاً ملوثاً ومسموماً بلا أي قيمة مضافة ولا فائدة مرجوة ولا عائد أخلاقي ومعنوي.
قد تكون الحقيقة هي أول ضحايا المسخ الحاصل في وسائل التواصل الاجتماعي والإعلامي المختلفة ولكن هناك انحدار أخلاقي لا يمكن تجاهله ولا إنكاره، انحدار سحب معه آداب الحوار ومعايير الاختلاف إلى مستويات منحطة مع شديد الأسف.
لا قيمة للحقائق متى كانت الأكاذيب قادرة على الإقناع، ولا قيمة للمبادئ متى كانت هناك قدرة على الالتفاف من حولها، فكل الحروب بدت أنها نتاج لأضاليل معدة بإتقان حتى ولو وصل ذلك لإقناع وخداع الذات.