وحاول عبدالله بن مسعود أن يلحق بالنبي عليه السلام، إلا أنه منعه، وخطَ له خطاً يتوقف عنده وقال (لا تخرج منه، فإنك إن خرجت لم ترني ولم أرك إلى يوم القيامة).
وشاهد ابن مسعود، ما غشي النبي من سواد عظيم، و ظلام مخيف واختفى من أمامه، فلم يعد يرى منه شيئاً ولا يسمع منه، فخاف ابن مسعود على النبي إلا أنه سرعان ما سمع صوت عصا النبي وهي تضرب الأرض والنبي يقول لهم اجلسوا، فرأى رجالاً سوداً؛ مستثفرين ثياباً بيضاء، يمشون، ويقرعون الدفوف كما تقرع النسوة، وكان يرى كائنات تشبه النسور تهوي وتمشي مع قرع الدفوف، ومع مرور الوقت بدأ يشاهد ابن مسعود الجن وهم يتطايرون.. قال (طفقوا يتقطعون مثل قطع السحاب ذاهبين حتى بقي منهم رهطٌ، لصقوا بالأرض حتى لم يعد يراهم).
صلى النبي بمن بقي منهم الفجر، في موضع جهة المعلاة وثنية كداء، والموقع منذ ذلك التاريخ يطلق عليه «موقع الجن» وقد بُني في ذات المكان مسجد، في أوائل القرن الثالث الهجري؛ وكان يطلق عليه (مسجد الحرس) لأن صاحب الحرس كان يطوف مكة، حتى إذا انتهى إليه وقف عنده لم يجزه حتى يتوافد عند عرفاؤه وحراسه فيأتون إليه من شعب بني عامر، وثنية الحجون، ومن أسمائه التي عُرف بها: «مسجد البيعة».
ويقع مسجد الجن في حي الغزة (أقدم الأحياء القريبة من المسجد الحرام) وقرب الطريق المؤدي إلى مقبرة المعلاة وشارع المعلاة، وتم تجديد بنائه لأكثر من مرة عبر العصور الإسلامية، وكان آخر تجديد له في عام 1421هـ، في عهد الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله.
وفيهم أنزل الله (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا) وقوله تعالى (قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا، يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا).