جاء ولده البكر، وأدرك أن والده يعاني من ألم القولون، وسأل المحيطين به عمّا تناوله والده من طعام، فأبلغوه أنه أكل بعض المعجنات وقليلا من الطبخ وزاد عليه من البهارات والشطة، فسارع به إلى المستشفى، وأدرك الطبيب أن الرجل يعاني من «القولون» الذي يشكل مشكلة مزعجة للكثيرين نتيجة تناولهم لأطعمة معينة أو تعرضهم لضغوطات نفسية، وأن 20% من سكان العالم يعانون من متلازمة القولون العصبي التي تطلق الهيستامين المتسبب في آلام البطن التي تؤدي إلى أعراض معدية معوية وآلام شديدة.
ولتسليط الضوء على مرض القولون العصبي، عرضنا الأمر على استشاري الأمراض الباطنية وأمراض الدم والأورام الدكتور عبدالرحيم قاري، الذي أشار إلى أن أعراضه متعددة؛ منها تقلصات وآلام البطن، وانتفاخ وغازات وإسهال أو إمساك أو كليهما، والمرض يعتبر حالة مزمنة تتطلب علاجاً على مدى طويل، موضحاً أن معظم من يعاني منه تكون أعراضه عليهم خفيفة لكنها مزعجة، والقليلون يعانون من أعراض شديدة، لكنهم في نفس الوقت يستطيعون السيطرة على الأعراض إذا التزموا بنظام غذائي ونمط حياة متزن، وتجنبوا التعرض للتوتر، فيما يحتاج آخرون إلى أدوية واستشارات طبية.
الشاي الأخضر والنعناع
الاستشاري قاري ينصح، بتناول بعض الأعشاب التي تحافظ على توازن الأمعاء مثل الشاي الأخضر والنعناع، شاي البابونج واليانسون والشمر، تناول أي علاج يفيد للإمساك مثل السنامكي وفي نفس الوقت يحذر من التعرض للعصبية والقلق التي وصفها بالخطورة لنشوء المرض، خصوصاً مع الأشخاص الذين يكبتون ضيقهم داخل أجسامهم فتؤثر على معدتهم، ولهذا السبب الكثير من الأطباء يصفون المرض بمرض النبلاء.
وأوضح أن الأطعمة الأنسب لصحة الأمعاء تناول الخضار والبقوليات ومنتجات الحبوب الكاملة، ناصحاً الأمهات بإرضاع مواليدهم لتعزيز جهاز المناعة ولصحة الأمعاء، خصوصاً أن الأطفال الذين يولدون من خلال عملية قيصرية ولا يحصلون سوى على فترة قصيرة من الإرضاع الطبيعي يكونون عرضة أكثر للأمراض المعوية.
المتهيج العصبي.. انتفاخ وتقلصات
استشاري أمراض الجهاز الهضمي والمناظير والكبد بمستشفى الملك فهد للقوات المسلحة الدكتور علي عبدالله زيدان، يرى أن متلازمة القولون المتهيج أو القولون العصبي من أكثر الأمراض شيوعاً بين الأمراض الوظيفية في الجهاز الهضمي، ولا يوجد سبب واضح للإصابة به، ولكن يوجد هناك بعض العوامل المسببة منها: مشاكل في حركة القولون كالتقلصات المستمرة التي تسبب الإسهال والانتفاخ والغازات والتقلصات البطيئة، وبعض الميكروبات التي تصيب الأمعاء وتسبب الإسهال أو نتيجة فرط نمو البكتيريا، اختلال توازن البكتيريا المتواجدة في الأمعاء، بعض المشاكل النفسية كالاكتئاب والقلق، حساسية الطعام، خلل ومشاكل في الإشارات العصبية المرتبطة بالجهاز الهضمي.
وأضاف الاستشاري زيدان، أن من الأسباب أيضاً التاريخ العائلي، إذ يمكن لعامل الوراثة أن يشكل أحد أسباب الإصابة بالقولون العصبي، فإصابة أحد الوالدين مؤشر لإصابة الأبناء، مبيناً أعراض متلازمة القولون المتهيج (العصبي) أنها تتمثل في ألم على شكل تقلصات أو تشنج في البطن، ويصيب عادة أسفل البطن أو كامل البطن، وغالباً ما يزداد بعد تناول الطعام، ويقل بعد التبرز، والإسهال، الذي يكون عادة على شكل نوبات شديدة من البراز المائي أو الشعور المفاجئ بالحاجة إلى التبرز، وقد يرافقه الشعور بالغثيان، أو الإمساك والشعور بالإجهاد عند التبرز وعدم إفراغ الأمعاء بشكل كامل، واضطراب لحركة الأمعاء وتتناوب الإصابة ما بين الإسهال والإمساك الشديد.
ابتعدوا عن التوتر
الاستشاري زيدان يضيف: «تختلف شدة أعراض القولون العصبي بين الأفراد وتؤثر على بعض الأشخاص بشكل أكثر حدة من غيرهم، ويمكن أن تزداد الأعراض غالباً في أوقات التوتر أو بعد تناول أطعمة معينة»، مبيناً أن متلازمة القولون العصبي تظهر عادة بعد سن المراهقة ونادراً ما تظهر لأول مرة بعد سن الخمسين، وأغلب الأبحاث رجحت إلى أن سن بداية ظهور أعراض القولون العصبي يكون غالباً بين 25 إلى 55 عاماً، إلا أنه سُجلت حالات إصابة في مرحلة المراهقة بل هناك حالات إصابة لأطفال لأسباب غير معروفة.
وينصح الاستشاري زيدان، مرضى القولون العصبي بالحرص على زيادة منتجات الألياف في الأطعمة، لأنها تساعدهم على التخلص من الإمساك المزمن، ما يؤثر إيجاباً على صحته ما يُسمى تحسين جودة الحياة، طالباً من المصابين الالتزام بالهدوء في أمور حياتهم لأن العصبية (التوتر) من الأسباب المهيجة.
النساء..الأكثر إصابة !
استشاري الأمراض الباطنية عبدالرحيم قاري، قال إن مرض القولون ليست له علاقة واضحة بالوراثة، وإن كانت الحالات تظهر في بعض العائلات، إذ يوجد أحياناً تاريخ عائلي للإصابة، وقد تلعب الجينات دوراً في ذلك، لكن حتى الآن لا نعرف ذلك بشكل أكيد وربما تكون العوامل المشتركة في بيئة الأسرة، ملمحاً إلى أن بعض أنواع الطعام قد تكون هي السبب في تكرار المرض في العائلة الواحدة، أو يرجع سبب الإصابة إلى مزيج من الجينات والبيئة. وأضاف أن أكثر المرضى المصابين بهذا المرض هم ممن تقل أعمارهم عن 50 عاماً، ولدى النساء أكثر.
وللقضاء على مرض القولون العصبي يشير قاري، إلى أنه من الأمراض المزمنة ويصاحب المريض سنوات طويلة من عمره، ومع ذلك يمكنه أن يخفف من حدة أعراضه إذا تمكن من التعرف على الأوقات التي يزداد فيها المرض عند تناوله لأطعمة أو مشروبات معينة فيتجنبها ومنها القمح ومشتقات الحليب والفواكه الحمضية والبقوليات والملفوف (الكرنب) والحليب والمشروبات الغازية.
الأعراض تتفاوت من شخص لآخر
أخصائي أول باطنة عامة الدكتور عبدالله عمر باعطية، قال إن متلازمة القولون المتهيج (أو القولون العصبي أو التشنجي) مرض مزمن وشائع يسبب اضطراباً في الأمعاء الغليظة ولا يغير من طبيعة أنسجة الأمعاء، ولا يزيد من احتمال الإصابة بسرطان القولون والمستقيم.
وأضاف أخصائي الباطنة باعطية، أنه لا يوجد سبب رئيسي واضح للإصابة بهذه المتلازمة، وقد يظهر باجتماع عدة عوامل، منها: وجود تاريخ مرضي في العائلة، الأشخاص المصابون بالمشاكل النفسية مثل القلق والاكتئاب وبعض اضطرابات الشخصية، وجود حساسية من بعض أنواع الأطعمة، أو الإصابة بعدوى سابقة مع اختلال في كميات البكتيريا النافعة أو اختلال في الإنزيمات الهاضمة.
مبيناً أن أعراض الإصابة تتفاوت من شخص لآخر وتكون عادة لفترات طويلة على الأقل يوم واحد في الأسبوع لمدة ٣ أشهر، وتشمل الأعراض الأكثر شيوعاً، ألماً أو تقلصات أو انتفاخاً في البطن، فترات من الإسهال أو الإمساك، وجود مخاط في البراز. وقال: غالباً تبدأ الأعراض في مرحلة المراهقة والشباب ولكن قد تظهر في أي عمر وتقل بعد سن الخمسين ولكنها لدى النساء أكثر بمرتين من الرجال.
ما العلاج ؟
الدكتور باعطية، بين أنه لايوجد علاج نهائي لهذه المتلازمة التي يعتمد العلاج فيها على التخفيف من الأعراض؛ للتمكن من التعايش معه، حيث يمكن التحكم بأغلب الأعراض في الحالات البسيطة باتباع نمط حياة صحي التقليل من الأطعمة التي قد تهيّج القولون مثل: الكافيين الشاي والقهوة والمشروبات الغازية والطاقة، الأطعمة المحتوية على الكاربوهيدرات المعقدة صعبة الهضم والطعام الدهني والمالح والحار جداً ومنتجات الألبان، الحرص على تناول وجبات الطعام بانتظام، الإكثار من شرب السوائل خاصة الماء، ممارسة النشاط البدني بانتظام للتقليل من التوتر وتحفيز الانقباضات الطبيعية لعضلات الأمعاء، الحد من التوتر، الإقلاع عن التدخين، وفي حال زادت حدة الأعراض يحتاج الشخص لمعالجات للتخفيف من الأعراض مثل مكملات الألياف للتخفيف من الإمساك، مضادات للإسهال، مضادات تقلصات البطن وطارد الغازات البروبيوتيك، وقد يحتاج بعض المرضى إلى بعض علاجات مضادات الاكتئاب، موضحاً أن الحالة النفسية تزيد من تهيج القولون ولكن ليست السبب الرئيسي.