أحسب أن كل تنمية وطن طموح تشبه كثيراً التعامل الطبي مع المريض. المرض أشكال وأنواع ودرجات وكذلك الحاجات التنموية والنواقص إن وجدت. بوجه عام توجد في التعامل الطبي مع المرض أربعة عناصر متلازمة؛ مريض يحتاج تنمية صحية لاستعادة لياقته ورفع قدراته ومعنوياته، وهذا عنصر المتلازمة الأول من الأربعة. العنصر الثاني هو الطاقم الصحي المؤهل علمياً وتقنياً وفكرياً، ويمثل المتلازمة العلمية. العنصر الثالث هو الأسرة بما تستطيع تقديمه من دعم مالي ومعنوي، وتمثل عنصر الأخلاق. وأخيراً السلطات الصحية التي تتجمع عندها المعلومات الميدانية عن الأحوال الصحية، وتنطلق منها التعليمات والأنظمة والوقاية والرقابة وسد الثغرات المالية.
الخطط الوطنية التنموية لا تختلف كثيراً في مسألة تلازم العناصر الأربعة. الوطن يحتاج باستمرار للتنمية في مجالات العلوم الفكرية والتقنيات والأبحاث، وهذه تماثل دور الطاقم الطبي وتجهيزاته. المواطن (بالتكتل الجمعي) هو الأسرة الوطنية الكبيرة، وعليه ومنه وله ولأجله تركز كل الجهود لرفع لياقته الإنتاجية والإبداعية والأخلاقية. العنصر المتربع على رأس الهرم التنموي هو الدولة بجهازها الحكومي المركزي والطرفي، بما تملكه من تدفق وتجميع ومعالجة المعلومات ثم تسييلها في الاتجاه التطبيقي التنموي.
ثمة من قد يسأل لماذا أربعة عناصر وليس ثلاثة أو خمسة أو أقل أو أكثر. الوطن هو الأمن الجسدي والمعنوي ومصدر الثروات البشرية والمادية. العلوم والتقنيات والأبحاث هي وسائل وأدوات التطوير. المواطن بالمعنى الجمعي هو أجيال الحاضر التي تحمل وصفة الاستمرار والبقاء لأجيال الأجداد والآباء والأحفاد. الدولة ومؤسساتها هي المجلس الأعلى للتخطيط حسب مقتضى الأحوال وصمام الأمن والعدالة والأخلاق، هي الحكم والرقيب إليها تتدفق المعلومات ومنها تسيل التعليمات. هل تحتاج التنمية إلى عنصر خامس؟
ما كتبته أعلاه خواطر ومقارنات طبيب مخضرم لا أكثر، وتحتاج إلى النقض والحذف والإضافة من العقول والتخصصات المختلفة. باختصار: عناصر متلازمة التنمية الأربعة هي الوطن الجغرافي والعلم المستنير والمواطن الأخلاقي المغروس بجذوره في الأرض والممتد بأغصانه وأوراقه وثماره نحو السماء، والدولة الوطنية هي الحاكم والمخطط والحكم. لدينا بحمد الله وفرة في كل العناصر الأربعة والطموح لا حدود له.