وأكد الشمري ضرورة الاستعانة بالمترجم المحلي دون غيره قدر الإمكان، في ترجمة الأعمال الأدبية، تشجيعاً له وإبرازاً لإمكاناته، لأن المترجم السعودي أقدر على معرفة الألفاظ والمسميات والأقوال المحلية، بل حتى «الثيمة» الكاملة للعمل المحلي أكثر من غيره، ومنها تأتي ضرورة الاستعانة به.
وعدّ الشمري دور هيئة الأدب والنشر والترجمة عظيماً، باعتبارها مظلة لجمع وتشجيع وتمويل المشاريع، وينتظر منها كذلك الكثير في تنظيمها ودعمها من خلال تأسيس لجان مختصة من أساتذة كبار في الأدب والنقد، حاضرين في الساحة المحلية.
فيما ذهب المترجم غسان الخنيزي إلى أن من بين شروطٍ عدّة للترجمة المرتجاة، وذات الوعي الوثيق بالظروف التي واكبت نشأة النص المعرفة الكافية بتلك السياقات الثقافية أو التاريخية المحددة التي منحت العمل سماته اللغوية وخصائصه الفنية الفارقة في زمنه، وجعلت منه موضع اهتمام للترجمة في اللحظة الراهنة.
وعدّ الترجمة عموماً، خصوصاً الأدبية، نوعاً من القراءة الارتماسية المتغلغلة في النص الأصلي، وتحمل بطبيعتها رخصةً نافذةً لاجتياح العمل والتدخل في ثناياه، أكان ذلك عبر التفسير أو التأويل، بل وربما إعادة الصياغة. ويرى أنه أمام مهمة جسيمة كهذه، يجب على المترجم التعرف بحميميةٍ عالية على تلك السياقات والظروف المحيطة بالعمل، وتحديد أثرها على المعاني والصور والصياغات ونبرة القول ومنظور الرؤية التي تنتظم النص. إضافة للتعرف على حياة الكاتب، وفهم اللحظة التاريخية التي صُنع فيها النص باعتباره أثراً وتأثيراً، يتحاور ويتجاور مع ما سبقه وما عاصره من معرفة أدبية، وتوجهات ذوقية، ومدارس فنية، ورؤى فلسفية، مشيراً إلى أنه من حسن حظ المترجم إذا صاحب الجهد البحثي المضني متعة السياحة الأدبية والفكرية في عالم المؤلف وزمنه، والنزهة والفرجة في مِهاد النص الأصل وفضاءاته.
وبالنسبة لحضور المترجم السعودي، عدّه الخنيزي حضورا قوياً وجاداً ومبشراً في آن واحد، لافتاً إلى أن ما سنح له التعرف إليه من خلال الإصدارات الفردية والمبادرات المؤسسية أثلج صدره، ويعزز الثقة بمستقبل واعدٍ ولافت في مجال الترجمة الأدبية، بحكم وفرة الأسماء المضيئة في مجال الترجمة بمجالاتها المتعددة وربما يحضرني أكثر تلك الترجمات المائزة في مجال الشعر والرواية والنقد والفلسفة التي أصبحت تصدر بوتيرة متزايدة من خلال دور نشر محلية وعربية، وأسماء إبداعية عدة تشتغل بهمة كبيرة وجودة عالية. وثمّن الخنيزي الخطوات التأسيسية الحثيثة التي تقوم بها وزارة الثقافة ممثلةً بهيئة الأدب والنشر والترجمة في ما يخص رعاية الترجمة الأدبية وتنشيط الطاقات والمواهب، عبر اللقاءات والمؤتمرات ومبادرات النشر، وتمهيد الأرضية وتوجيه موهوبي الترجمة ومحبيها للانتقال من مرحلة التعامل مع الترجمة الأدبية باعتبارها هواية، إلى التعامل معها باعتبارها نشاطاً مهنياً يتداخل مع قطاع صناعة المحتوى والكتابة الإبداعية الذي يشهد هو الآخر اتساعاً مستداماً. ويرى أن كل ذلك يضع المترجم أمام مسؤولية مهنية تُحتّم عليه تفعيل مهاراته في التعلم والتطوير الذاتي، وتنمية القدرات العملية، مشيراً إلى أن إصدار هيئة الأدب والنشر والترجمة «الدليل المهني للمترجم» لفت انتباهه بما تطرق إليه من حيثيات مهنة الترجمة وفعالياتها، أنواعها، وشروطها، وأخلاقياتها، والموارد البحثية والتقنية المتوفرة في عالم المهنة.
ويؤكد المترجم رائد الجشي أن الترجمة الجيدة يتلاشى فيها أسلوب المترجم الكتابي وفنيّاته المعتادة لصالح إظهار أسلوب وفنيات كاتب النص الأم وكأنه يجيب عمليا على سؤال كيف كان المؤلف سيكتب نصه لو كتبه باللغة العربية، باعتبارها المستهدف. ويرى أنه لا يمكن أن يحدث التلاشي الحميد إلا بترجمة تأويلية، ناشئة عن دراسة اللفظ الأم دراسة فاحصة ثم تحويله إلى نص بإضافة كل المكملات المعرفية من دلالات وإحالات الإحالات ثم نقلها إلى العربية وسلخ جلد لغتها الأم من سياقات وقواعد ثم اختزالها إلى لفظ مكتوب وإلباسها جلداً عربياً كاملاً بكل سياقاته وقواعده وأساليبه متحصناً بفقه اللغة حال حاجة اللغة إلى الاتساع واستيعاب مصطلح طارئ على سبيل المثال أو الاتكاء على التهميش لإيضاح مفهوم محدث.
وذهب الجشي إلى أن الترجمة الجيدة تنقل اللفظ ومعناه وفكر صاحبه ورؤيته، مؤكداً بأن المترجمين السعوديين لهم حضور بارز على المستوى العربي والدولي، ومنهم الدكتورة نادية خوندنة، والأستاذ ممدوح الشيخ، والأستاذ صالح الخنيزي، والأستاذ عبدالوهاب أبو زيد، والأستاذ راضي النماصي على سبيل المثال لا الحصر، مضيفاً بأن لديهم نتاج متداول في الصحف والمجلات والدوريات المهمة وكتب رفدت المكتبات العربية، إضافة إلى انخراطهم في تقديم الفعاليات وورش الترجمة. وعبّر عن سعادته بهذا التوجه المبهر والمهم الذي تسير عليه المترجمات والمترجمون السعوديون والذي يبشر بالمزيد من الألق.
الوضوح والسلاسة
فيما عزا المترجم صالح الخنيزي الحظوة بترجمة جيدة إلى سؤال المترجم: هل يملك إلماماً باللغة المصدرية واللغة المستهدفة قبل كلّ شيء؟ إضافةً إلى سعة اطلاعه في الحقل المراد ترجمته. كون ثمة هوة واسعة بين ثقافتين يجب على المترجم أن يردمها بالاشتغال ومراجعة النص واستشارة ذوي الخبرة، وعدم الاستسهال بالترجمة مهما كان النص واضحاً. وكشف اختلاف منظري الترجمة حول خصائص الترجمة الجيدة، وهل هي التي تقربك إلى اللغة المنقول إليها، لتشعرك وكأنك تقرأ نصاً تعرفه في لغتك الأم، العربية على سبيل المثال، أم هي التي تنقلك نحو الآخر، فتجد نفسك غريباً في متن النص وسماته الأسلوبية والبنائية؟ ويرى أن الترجمة الجيّدة -بعيداً عن آراء المنظرين وصراعاتهم- هي التي تتسم بسلاسة عباراتها ووضوح تراكيبها، بحيث ينفخ فيها المترجم من روحه، ويهبها بذورا صالحة للبقاء في تضاريس مغايرة، وتكشف عن وهج الحياة، فيلامس ذلك قراءها.
وأوضح أن وزارة الثقافة اعتنت بحركة الترجمة من خلال «مبادرة ترجم»، واحتفت بالترجمة والمترجمين في معارض الكتاب ومهرجان الكتّاب وفي غيرها من البرامج الثقافية الأخرى التي تعنى بالترجمة في مختلف المجالات، ما أسهم في حضور مترجمين سعوديين عدة، سطعت أسماؤهم في سماء الترجمة في الأعوام الأخيرة، كما وصف.