مضى على ذلك المؤتمر نصف قرن، وكان من ثمراته تأسيس الأندية الأدبية، في زمن طباعة الكتب، والنشر الورقي، وفتح الملاحق الثقافية، للندوات الحوارية، والمعارك الفكرية، والأدبية، معززة دور الوعي العام بالتدافع الثقافي بين التقليدي والحداثي.
ويأتي مؤتمر هذا العام في عصر الرقمية ليضم نخبة الأدباء، ويجمع المخضرمين بالجيل الشاب عبر الذكاء الاصطناعي، تحت مظلة جمعية الأدب الطامحة بجهود القائمين عليها؛ لتعزيز دور النخب الثقافية في المشهد المحلي والإقليمي والدولي.
الغذامي يُلقي كلمة الأدباء ويؤكد لـ«عكاظ»: لن أتكلّم باسم أحد
أوضح الناقد الدكتور عبدالله الغذامي لـ«عكاظ» أنه حين فاتحه الدكتور صالح زياد، ودعاه لإلقاء كلمة افتتاح مؤتمر الأدباء في حائل اليوم (الجمعة)، ترك الأمر له مفتوحاً لاختيار صفة الكلمة، إلا أنه تفاجأ حين نشروا برنامج الحفل وفيه كلمة له وصفت بأنها كلمة الأدباء، وهنا تبعثرت أفكاره كما قال وارتعب حقاً، إذ تصور نفسه متحدثاً باسم الكل، خصوصاً الأساتذة الأدباء والأديبات، وكل واحد منهم ومنهن كينونةٌ فكرية ومعنوية قائمة بذاتها، ولها مكونها الفردي الذي هو شرط للإبداعية، مؤكداً أنه، وحتى لحظة مهاتفتنا له، وهو لا يزال تحت طائلة التوبيخ الذاتي، وكيف له أن يدّعي؛ أن أي قول له؛ هو قول يقوله الكل، في حين يعي الغذامي تمام الوعي أن هذا افتراضٌ ليس خاطئاً فحسب، بل هو محال، وقال قررتُ ألا أتكلم حتماً وقطعاً باسم أي أحد، وسيكون كلامي رؤية ذاتية تمثل نظاماً تفكيرياً؛ الذي سأشرح فيه موقفي من المؤسسة الأدبية بوصفها قوة ترسخت على مدى أزمنة وأسماء وتواريخ ومنجزات أصبحت بمثابة الجبال الراسخة، وكيف لنا، ونحن على مشارف منعطف جديد، أن نختار بين أن نحمل تلك الجبال فوق ظهورنا، أو أن نتنكر للحمل الثقيل ونبدأ مشوراً جديداً..
هذا هو السؤال الذي سأوجهه في اللقاء.
العباس يرسم ممرات لتحويل الكاتب السعودي إلى رأسمال ثقافي
سيتناول الناقد محمد العباس في ورقة مخصصة للمؤتمر، الممرات المستوجبة لتوطين السرد السعودي على أطلس الأدب العالمي، أو الممرات المتمثلة في الكتابة بلغة الآخر، وهو ممر سريع ومختصر، ويعني بالآخر؛ الكتابة ابتداءً باللغة الإنجليزية مباشرة، على اعتبار أن اللغة الإنجليزية هي لغة العولمة، وهي لغة المركزية الغربية التي بموجبها يمكن الوصول إلى لغات أخرى. وعدّ هذا الممر على درجة من الصعوبة بالنسبة للسارد السعودي بالنظر إلى عدم وجود كُتّاب يقيمون في بلاد الآخر أو في لغته، عدا نماذج محدودة جداً لا تشكل نصاباً أدبياً يُعتد به.
ويرى أن بعض مرادات الترجمة تحققت بأشكال ومبادرات مختلفة ومن دون أي أثر يُذكر، إذ بادر بعض الروائيين السعوديين إلى ترجمة أعمالهم منذ عقود بموجب علاقاتهم ومبادراتهم الشخصية لترجمة بعض أعمالهم، إلا أن هذه الأعمال ظلت بعيدة عن الفضاء القرائي والنقدي، ولم تقدم أي خدمة للأدب السعودي لأسباب يطول شرحها. ومنذ ثلاثة أعوام أعلنت هيئة الأدب مبادرة (ترجم) التي تضمنت في برنامجها، إلى جانب ترجمة الكتب من اللغات الأخرى إلى اللغة العربية، الترجمة العكسية المعنية بترجمة الأدب السعودي إلى لغات الآخر؛ وهي مبادرة على درجة من الأهمية، ولكنها للأسف لم تُقر بشروط حمائية للأدب وجودته. لذلك تُرجمت حزمة من السرديات السعودية المتواضعة، التي لم تحقق أي مقروئية على المستوى المحلي. كما جاءت مبادرة (الوكيل الأدبي) لتقدم حزمة أخرى من الأعمال العادية، وذلك من أجل الربح. في الوقت الذي لم يتم فيه اختيار نماذج مشرفة للسرد السعودي، وهو أمر يحتم إعادة النظر في تلك المبادرات وجعل ترجمة الأدب السعودي ضمن مشروع وطني قومي يعكس قدراتنا الأدبية.
وأكد أن ممر جودة الإنتاج، بالغ الأهمية، فكلما كان إنتاجنا على درجة من الكفاءة استحق الاحتفاء المحلي وبالضرورة سيصل للعالم. وهذا أمر لا يمكن أن يتحقق بمجهود الكتاب فقط، بل بحوارات طويلة ومعمقة من أجل تجويد المنجز السعودي. وبرعاية مؤسساتية تجيد تسويق المنتج الأدبي كما تمتلك الرؤية لتحويل الكاتب السعودي إلى رأسمال ثقافي.
عبدالله ثابت: الكتابة خلاص والتجريب يهدم الجمود
يرى الروائي عبدالله ثابت في ورقته؛ التي يلقيها في ندوة الإبداع ضمن فعاليات مؤتمر الأدباء، أن الكتابة خلاص وجودي تام، لافتاً إلى أن الأجناس الأدبية نتاج المؤسسات التعليمية بالنمطية في القراءة والتفكير، وشجع ثابت على الكتابة التجريبية كون الفنون تتكامل وتتوازى ولا تتصارع ولا تنفي كون النفي مواتاً.
الحميدي الثقفي: أخذتُ طفلة الشعر من فانوس القرية لنيون المدينة
أوضح الشاعر الحميدي الثقفي أنه سيقدم في مؤتمر الأدباء شهادة عن تجربته، إذ لطالما كانت مواضيع القصيدة الشعبية التقليدية مشاعة لكل من وجد في نفسه القدرة على «فك الحرف»، بل كانت متاحة حتى لمن لا يجيد القراءة. وكانت مواضيعها مسجاة في الذاكرة تؤخذ بالوراثة؛ الحب والمديح والهجاء والثارات، كانت لا تتجاوز خُف الناقة وصيوان شيخ القبيلة، وكانت زمناً طويلاً لا تغادر مخدع العشيقة وبكائيات الفراق والشوق أناء الليل وأطراف النهار.
وأكد أنه أخذ القصيدة الشعبية معه من القرية حين غادرها مطلع ثمانينات القرن الماضي إلى المدينة، فكانت موضوعه المحوري (القرية والمدينة) ونقل طفلة الجبل من جوار فتيلة فانوس لترافقه في طرقات المدينة، وتتهجى معه أرصفة وحواري ونيونات زجاجية مبهرة، كما أخذ ماء (المعين) من الوادي وكان وإياه يتعجبان من تراقص ماء (النوافير) تحت سطوة أضواء ليل المدن الصاخبة.