لم يكن مشوارها مفروشاً بالورود. فقد واجهت الكثير من التحديات في طريق تحقيق أحلامها الفنية التي راودتها منذ طفولتها. ففي سن السادسة استبد بها الشوق لدراسة الموسيقى والعزف، ومن أجل ذلك توجهت إلى سوق الصاغة كي تبيع ما أهداها لها والدها من مصاغ ذهبية لتشتري بثمنها آلة «الأوكورديون»، وهو ما تسبب في ثورة والدتها، التي رأت في تصرفها أمراً يستوجب التوبيخ والعقاب. غير أن من حسن حظها أنه كان لوالدها التاجر رأي مغاير، تمثل في تشجيعها على اختيار ما تراه مناسباً لها. وهي لئن استحسنت موقف والدها الداعم وتحمست للمضي قدماً في عالم العزف والغناء، إلا أنها اصطدمت بقيود المجتمع وتقاليده التي كانت تحرم على الفتيات، آنذاك، مجرد التفكير في دخول عالم الفن، وتعتبره أمراً معيباً، فما بالك باتخاذ الفن مهنة.
وقتها لم يكن أمام الفتيات اللواتي يستهويهن الغناء سوى الانضمام إلى فرق الأفراح الشعبية النسائية، مثل فرقتي «أم زايد» و«عودة المهنا»، لكن طموحات ليلى عبدالعزيز كانت أكبر من مشاركة مجموعة من الردادات في تقديم الأغاني التقليدية الجماعية والضرب على الدف. ولهذا صممت على كسر هذا التحدي بإبراز مواهبها من خلال حصص الموسيقى المدرسية.
ولدت «ليلى عبدالعزيز علي الحمر» سنة 1947 في المستشفى الأمريكي بحي القبلة بالكويت على يد طبيبة هندية اسمها «ليلى»، فأصرت والدتها أن تطلق اسم الطبيبة على مولودتها، عرفاناً للطبيبة التي أنقذتها من حالة ولادة عسيرة. درست الابتدائية بمدرسة خديجة بنت خويلد، والثانوية بمدرسة المرقاب الثانوية للبنات، وفي هاتين المدرستين لاحظت مدرساتها امتلاكها مواهب فريدة في الغناء والعزف والتمثيل والرقص الإيقاعي، فقمن بتشجيعها ورعايتها فنياً، بل إن ناظرة مدرستها الثانوية الأستاذة فاطمة سعيد تنبأت لها بمستقبل باهر في المجال الموسيقي بعد أن استمعت لعزفها على آلة البيانو، خصوصاً أنها كانت قد أحرزت في الفترة من عام 1959 إلى عام 1963 ثلاث ميداليات، لفوزها بالمرتبة الأولى في العزف، علاوة على حصدها ميدالية الرقص الإيقاعي وجوائز تقديرية أخرى من وزارة التربية في عيد العلم السنوي.
بعد تخرجها من الثانوية عام 1963 لم تجد ما يشبع نهمها الفني سوى الالتحاق بفرقة «مسرح الخليج العربي» كعضو، فأصبحت مسؤولة عن الموسيقى في شعبة الديكور والمؤثرات الصوتية والإضاءة، وعضواً في لجنة الخدمات الانتاجية الفنية، بل قامت بعد سنة واحدة (1964) بالمشاركة في مسرحية «الجوع» من تأليف عبدالعزيز السريع وإخراج صقر الرشود، حيث وقفت على خشبة المسرح جنباً إلى جنب مع حياة الفهد وسالم ومحمد المنصور ومنصور المنصور وخالد العبيد وأسمهان توفيق. وفي العام التالي شاركت بالتمثيل في مسرحية «الطين» من تأليف وإخراج صقر الرشود وتمثيل منصور المنصور وأسمهان توفيق وعبدالرحمن الصالح.
وتشاء الأقدار أن تتلقى في خضم مشاركاتها المسرحية أولى الصدمات في حياتها بوفاة والدها في بريطانيا، خلال وجوده هناك لمتابعة أعماله التجارية. هنا شعرت ليلى بأنها فقدت داعمها وموجهها الأكبر، فقررت أن تفعل ما كان سيجعل والدها فخوراً بها لو أن القدر مدّ في عمره، وهو إكمال دراستها أكاديمياً.
في هذه الأثناء التقت بفنان الكويت الكبير شادي الخليج، فأخذ بيدها وقدمها لوزير التربية والتعليم، آنذاك، الشيخ عبدالله الجابر الصباح المعروف باهتماماته الموسيقية، فما كان من الشيخ الوزير، بعد أن تأكد من مواهبها وطموحاتها وتفوقها الدراسي، إلا أن أرسلها إلى القاهرة ضمن بعثة دراسية مجانية من أجل التخصص في معهد الموسيقى هناك.
وفي القاهرة، عاصمة الفن والفنون، أثبتت ليلى جدارتها بالبعثة الدراسية التي منحت لها، حيث انكبت على الدراسة والتدرب على مختلف الآلات الموسيقية، واستطاعت أن تنهي المقررات خلال 3 سنوات بدلاً من 5، وتتخرج من المعهد العالي للموسيقى العربية في عام 1967، متخصصة في العزف على آلة القانون مع إجادة العزف على آلات أخرى مثل البيانو والأوكورديون والكمان والعود.
وهكذا عادت إلى وطنها بعد أن سجلت اسمها في سجل الأوائل، كأول كويتية وخليجية تتخرج من المعهد المذكور، لتبدأ مرحلة العمل والعطاء. فالتحقت في بداية مشوارها بوزارة الإعلام، وعينت في وظيفة «مراقب الموسيقى» بإذاعة الكويت. وبينما هي على رأس عملها هذا شاركت في عدد من الحفلات الغنائية عازفة، وغنت لأول مرة أمام الناس أغنية «هوّ صحيح الهوى غلاب» لأم كلثوم، وقدمت عدداً من البرامج في تلفزيون الكويت مثل: «مسرح الهواة»، و«مع الأنغام»، و«من الفنون الشعبية»، و«بريد التلفزيون»، و«أصل وصورة»، ونشرت في صحيفة «السياسة» الكويتية حوارات فنية أجرتها مع شخصيات مشهورة مثل الفنان عماد حمدي والإعلامية ليلى رستم، وسافرت إلى إيران عام 1968 لحضور مهرجان «تخت جمشيد»، حيث التقت هناك بالإمبراطورة فرح ديبا. علاوة على ما سبق، عادت للتمثيل بمسرحيات فرقة مسرح الخليج العربي، فشاركت في عام 1971 في مسرحية «رجال وبنات» من إخراج منصور المنصور وتمثيل صقر الرشود وسعاد عبدالله ومحمد المنصور ومريم الغضبان وعائشة إبراهيم وطيبة الفرج.
أول أغنية سجلتها بصوتها كانت أغنية «وايد وايد» من ألحان عبدالرحمن البعيجان وكلمات الشيخ خليفة العبدالله الصباح. أما أول لحن وضعته فقد كان للأغنية الوطنية «يا وطني أنا حبيت اسمك»، التي غناها المطرب خليفة بدر. على أن الأغنية التي أطلقتها نحو الشهرة والنجومية على مستوى الخليج والوطن العربي هي أغنية «الاسمرانية» من ألحانها وكلماتها وأدائها، وتعتبر من الأعمال الفنية الكويتية الخالدة التي يُعاد غناؤها في الحفلات إلى اليوم. ولعل من أسباب نجاحها وخلودها أنّ صاحبتها قدمتها بلحن مبتكر، وأداء جميل مفعم بالحركة والفرح، وجمل غنائية تلحقها لازمة غير مسبوقة هي «ولووو». ولهذه الأغنية قصة روتها ليلى في حديث تلفزيوني، فقالت إنها عادت من أبوظبي في السبعينات متأثرة بما شاهدته هناك وما وثقته من تراثها الشعبي، فطلب منها وزير الإعلام، آنذاك، الشيخ جابر العلي تسجيل أغنية خاصة للتلفزيون، فاقترحت عليه بدلاً من ذلك تسجيل سهرة فنية على هيئة جلسة تتخللها رقصات شعبية وتشترك فيها مجموعة من الفنانين، بحيث يؤدي كل واحد منهم أغنية، فاستعدت للأمر وقدمت أغنية «الاسمرانية» خصيصاً للمناسبة.
ومما عرف عن ليلى عشقها الكبير لرياضة كرة القدم، وبالتالي حماسها وتشجيعها لمنتخب بلدها الكويت، الذي تجلى في قيادتها الفرق الشعبية النسائية إلى الملاعب من أجل التشجيع، بحكم كونها أول رئيس لرابطة مشجعي كرة القدم في الكويت، ناهيك عن قيامها بتلحين عدد من الأغاني الرياضية مثل أغنيتي «منتخبنا» و«شد حيلك يا ولد بلادي». أما خارج الكويت فتعد ليلى مشجعة متعصبة لنادي النصر السعودي، الذي غنت له أغنية «حيوا بطلنا يا الربع حيوا النصر ** حيوا اللي جاب الدوري والكأس النصر»، ولهذه الأغنية الكروية قصة روتها ليلى بقولها، إنها دعيت إلى الرياض في منتصف السبعينات لإحياء حفل زفاف أحد أبناء الملك سعود، رحمه الله، وهناك تصادف وجودها مع فوز نادي النصر بالكأس والدوري فطلب منها تقديم أغنية للنادي كهدية إلى رئيسه الأمير عبدالرحمن بن سعود، رحمه الله، فكان ما كان.
إضافة إلى عشقها للرياضة، فإنها عاشقة للسفر. فقد زارت العديد من الدول العربية إما لإحياء أعيادها الوطنية أو لإحياء أعراس أسرها المعروفة، ابتداء من دولة الإمارات والبحرين وليبيا وانتهاء بالمملكة العربية السعودية، التي لقيت فيها احتراماً وكرماً واستقبالاً وحباً لا يوصف، بحسب كلامها، إلى درجة أنها تملكت مسكناً بها وعاشت فترة من الزمن فيها، متنقلة ما بين جدة والرياض ومرتبطة بعلاقات وطيدة مع عدد من الأسر السعودية كأسرة الشيخ عبدالعزيز جمجوم. وفي سياق الحديث عن رحلاتها، أخبرتنا خلال استضافتها في برنامج «وينك» على قناة روتانا خليجية، أنها كانت أول فنانة كويتية تزور ليبيا بدعوة رسمية من حكومتها وتتنقل مع فرقتها في معظم المدن الليبية لإحياء أعيادها الوطنية، مضيفة، أنها التقت هناك بعازف الكمان اللبناني المعروف عبود عبدالعال الذي دعاها إلى القدوم إلى بريطانيا، حيث يعيش ويعمل. قالت ليلى، إنها شعرت بالإرهاق من جولاتها في ليبيا على متن طائرات النقل العسكرية على مدى 45 يوماً، فقررت، تحت إلحاح أعضاء فرقتها، أن تأخذهم وتسافر بهم إلى لندن عام 1980 لأخذ قسط من الراحة، لكن ما حدث هو أن عبود عبدالعال التقاها هناك وشجعها على البقاء والغناء في صالته بشارع إجوارد رود، ملتقى السياح الخليجيين والعرب. وهكذا أمضت أكثر من سنة وهي تعمل هناك جنباً إلى جنب مع الفنانين العرب، الذين كان عبدالعال يستقطبهم من أمثال صباح وفايزة أحمد، مع زيارات خاطفة إلى السعودية لإحياء أفراح الزفاف. ونظراً لغيابها الطويل عن وظيفتها بالإذاعة الكويتية وتهديدها بالفصل، قدمت استقالتها. ومن لندن انتقلت إلى باريس حيث تملكت مسكناً وافتتحت صالة ومطعماً لتقديم أغانيها للجمهور العربي.
وهكذا، فإن ليلى تقسم حياتها ــ بحسب تصريحاتها ــ على 3 محطات: الكويت (حيث توجد في الشتاء للمشاركة في موسم الأعياد الوطنية) والسعودية (حيث توجد بمكة والمدينة خلال شهر رمضان للاستمتاع بأجوائهما الروحانية) ومصر (حيث تتردد لاستعادة ذكرياتها القديمة ومعايشة آخر التطورات الفنية).
صاحبة فكرة الجلسات الشعبية المصورة
ومن هنا يحسب للفنانة ليلى عبدالعزيز، أنها صاحبة فكرة الجلسات الشعبية الغنائية المصورة ذات فقرات الرقص النسائي الجميلة والتصفيقات الجماعية المعروفة. كما يحسب لها صمودها في وجه الجهات المتشددة التي حاربتها بسبب فقرات الرقص المصاحبة للجلسات الشعبية.
في مشوارها الفني قدمت ليلى حوالى 300 لحن، حاولت من خلالها المحافظة على هوية الموسيقى الكويتية، علماً أنها قررت منذ أوائل السبعينات أن تتوقف عن الغناء وتكتفي بالتلحين، مبررة قرارها بقولها «انقطعت عن الغناء لإحساسي بأن تكويني الفني هو ملحنة أكثر من مطربة»، طبقاً لما نقلته الصحافة على لسانها.
وهكذا نجد في قائمة أعمالها ألحاناً أعطتها لفنانين كويتيين وخليجيين وعرب، ومنها الكثير من الأغاني التي لحنتها لنفسها وأدتها بصوتها. فمن الفنانين الكويتيين الذين غنوا من ألحانها: حسين جاسم (دويتو دنيا الهوى)، عبدالمجيد عبدالقادر (تعب قلبي)، خليفة بدر (يا وطني أنا حبيت اسمك)، راشد سلطان (يا جيش العرب)، مبارك معتوق (جسر النور)، يحيى أحمد (دوم تتغلى)، غريد الشاطئ (شوف يا دنيا)، عبداللطيف المنصور (شد حيلك يا ولد بلادي)، عباس البدري (أغنيات «أمواج البحر» و«جاي تعيد» و«يطرى عليج» و«قلبك ما يبيني»). هذا علماً أن عباس البدري هو أكثر من غنى من ألحانها، بينما قدم غازي العطار أحد أجمل ألحانها الرومانسية من خلال أغنية «دنيا الهوى»، التي غنتها بنفسها وغنتها نجاح سلام وغناها حسين جاسم أيضاً.
التعاون مع الفنانين غير الكويتيين
أما لجهة تعاونها مع الفنانين غير الكويتيين، فقد غنت من ألحانها شادية وهاني شاكر وعايدة الشاعر ومحرم فؤاد ونجاح سلام وعماد عبدالحليم، والمطرب العراقي جاسم الخياط والمطربة العراقية لميعة توفيق، والمطربة اللبنانية سماهر، والمطرب اليمني فرسان خليفة. كما لحنت لفنانين عرب مقيمين بالكويت مثل مرسي الحريري وحورية سامي. وقدمت 6 ألحان للفنان الإماراتي جابر جاسم، ولحنين للفنان عبدالله بلخير، هذا ناهيك عن قيامها بتلحين مقطوعات موسيقية وموسيقى تصويرية لمجموعة من الأعمال التلفزيونية.
في مقابلاتها الصحفية والتلفزيونية كثيراً ما اشتكت من إهمال وسائل الإعلام المرئية والمسموعة لأعمالها الكثيرة المتنوعة عدا أغنية «الاسمرانية»، وكأن تاريخها كله توقف عند هذا العمل. وهي مصيبة في شكواها لأن قائمة الأعمال التي أدتها بصوتها تشتمل على الكثير من الأغنيات الجميلة الأخرى مثل: أحطك في قلبي، عليك دانة يا بنية، أنا البارحة يا سعود، يا هل الشرق، قالت نسيت الهوى، جينا من الكويت، يا مسافر أنت سلم لي ع الكويت، سلم على الغايبين، الله أكبر يا حبيبي تغيرت، أنا شبيدي على قلبي، بيني وبينك بحر، يا حارس فؤادي بناره، ويله من الله، بعت وشرينا، الله يا غالي، مضت ساعة، شنهو السبب، خاطري طاب من ذاك الفريج، معذور راعي الهوى، يا الله تجبر خاطر المكسور، بان القمر في ديرة الفنطاس، يا خط يا مشغول، ما تخاف من الله، أستحلفك بالله، إحنا وليالينا، الليلة سهر، شو الراي يا أهل الهوى، يا من جبيله، وغيرها. هذا علاوة على أغنية «طيني ورور»، التي كتبتها ولحنتها في الرياض عام 1981، وانتشرت وراح الفنانون يرددونها في حفلاتهم وجلساتهم الطربية، على أنها من أغاني الفلكلور دون أي ذكر لصاحبتها، بالرغم من أنها مسجلة باسمها في جمعية المؤلفين العالمية. والمعروف أن الفنان المصري سعيد صالح غنى «طيني ورور» بمصاحبة لبلبة ويونس شلبي في فيلم محطة الأنس سنة 1985.