وحقيقة السؤال كانت أعم وأكبر من الأحداث الدامية وآلاف القتلى والطائرات التي تساقطت على كرامة أمريكا قبل عاصمتيها المالية والسياسية، صحيح أن الجريمة كانت عميقة وكبيرة لدرجة مؤلمة في الوجدان الأمريكي، لكنها قرعت جرس الإنذار الكبير كيف وصلت الكراهية لهذه الدرجة.
كان سؤالاً فلسفياً، يحاول البحث عن إجابة انطلاقاً من الأدوار الكبيرة -عسكرية واقتصادية وعلمية- التي لعبتها الولايات المتحدة الأمريكية مع عالمها الغربي خاصة، ونقلته من أحضان الفشل والانهيار إلى النجاح وتسيد العالم.
فهي من حرّر أوروبا من الاحتلال الألماني، وهي من تصدى للاتحاد السوفيتي، وهي من دمّر الشيوعية في كل معاقلها، وهي من هزم اليابان «النسخة الثانية» من ألمانيا، ومع ذلك بقيت فرنسا وكثير من الدول الأوروبية منذ معركة «النورمندي» وحتى اليوم تتعامل مع أمريكا بكثير من الخشونة.
الشعوب الأوروبية لا تحس بالامتنان للأمريكيين الذين أرسلوا أبناءهم ومقدراتهم العسكرية عبر المحيط لإنقاذ الأوروبيين، لقد أعفوهم من العبودية لهتلر بعدما انهاروا أمامه في بضعة أشهر فقط، ولولا الأمريكان لكانوا لليوم يعملون بالسخرة في المصانع والمعامل الألمانية، لقد منح الأمريكيون العالم الغربي الحرية، ومع ذلك قوبلوا بالنكران والجحود (هكذا يقرأ الأمريكيون المشهد).
على المستوى الاقتصادي كانت الصين قبل خمسة عقود مجرد مستوعب للبشر، دولة فقيرة متخلفة تعيش على تقليد المنتجات الغربية، بل وتقليد سيئ، حتى التفتت إليها أمريكا -ليس حبّاً فيها بالطبع- ونقلت إليها التكنولوجيا المتقدمة لتتحول الصين إلى معمل للمنتجات الأمريكية المتطورة، ثم تنتقل العدوى إلى الصناعة الصينية، ويصبح الاقتصاد الصيني الأكثر نمواً في العالم، وإذا ببكين تنسى «الفضل» وتبدأ بمنافسة الأمريكيين وملاحقة نفوذهم حول العالم.
السؤال الأمريكي ينطبق تماماً على السعودية، مع اختلاف التصرفات السياسية الأمريكية، فواشنطن ليست ملاذاً للملائكة.
لماذا يكرهون السعودية؟
في هذه البقعة من العالم وأقصد الشرق الأوسط، تعيش كثير من الشعوب على الكراهية والحسد والجحود ونكران الجميل، إنها سياسة الانشغال بالآخرين ومحاولة إعاقة نجاحهم لم ينعتق منها هذا الشرق التعيس، تسببت في كل هذه الحروب والدماء والفشل.
خلال الخمسينات والستينات وحتى حرب الخليج الثانية انشغلت «الجمهوريات العربية» بالسعوديين وحمّلوهم فشلهم، من حروبهم العبثية مع إسرائيل التي حولت فلسطين التاريخية من الجغرافيا إلى مجرد بقع سكانية على الخريطة.
أما اقتصادات بلدانهم المليئة بالخيرات والأنهار والمواقع الاستراتيجية فحدث ولا حرج، ابتداء من الفشل في توظيف الإمكانات والمميزات التي حباهم بها الله، وليس انتهاء بالتعثر في بناء اقتصادات أو أفكار تنتج المال والوظائف، وبقوا عالة على دول الخليج يصدرون فشلهم الاقتصادي لليوم.
لم يتوقفوا عند ذلك، بل فشلوا حتى في إنتاج دولة وطنية واحدة قادرة على بناء نفسها، دول تحولت إلى «فقاسات» للانقلابات في بغداد ودمشق وصنعاء والقاهرة، تمسي الشعوب على ملكية وتصبح على مجلس قيادة ثورة بأشكال وأنواع لا تتحدث إلا بالمسدس والبندقية.
يجب أن لا ننسى أن الكراهية والحسد الموجه للخليجيين وأموالهم هي من أنتجت احتلال العراق للكويت، لقد كانت في أصلها فكرة شريرة تقول: إن نفط الخليج وأموال الخليج ليس لهم لوحدهم، بل إن جميع العرب شركاء فيه، مع أنهم لم يشاركوا أهل الخليج في أنهارهم ومزارعهم وثرواتهم الطبيعية.
لقد كان التشفي في احتلال الكويت، والانخراط السياسي والشعبي -من بعض العرب- في دعم الاحتلال، وصولاً إلى طلب إبادة السعوديين والخليجيين بالكيماوي هي حقيقة ما تخفيه الصدور.
عرفت الرياض أن قدرها الجغرافي والسياسي هو التعامل مع تلك العقليات، ووقفت معهم في مشاكلهم الاقتصادية والعسكرية والسياسية.
أوقفت إنتاج نفطها من أجلهم، دفعت الأموال لهم، واشترت الأسلحة لصالحهم، بل وأرسلت أبناءها للقتال معهم في حروب الاستقلال والتحرير، لقد حاول السعوديون -قدر جهدهم- تحسين أحوال جيرانهم العرب ومدوهم بالأموال وبرامج التنمية، واستقدموا عشرات الملايين من العمالة العربية التي أعادت ضخ المليارات في اقتصادات بلدانها، ومع ذلك بقي الجحود مقيماً في نفوس الكثير، ويبقى السؤال الكبير: لماذا يكرهوننا؟!