لكن إذا أخذنا مسار الأحداث التي مر بها لبنان عام ٢٠٢٢، يمكننا أن نستخلص بعضاً مما ستكون عليه البلاد عام ٢٠٢٣، خصوصاً إذا دام الفراغ الرئاسي، فإن كل أشكال الحل ستكون متوقفة لأن كل الحلول مرتبطة بشكل مباشر بانتخاب رئيس جديد.
الغرق في الفوضى
وقد تفضي لامبالاة الطبقة السياسية وتمسك كل طرف بمشروعه إلى ضرب كل الجهود الآيلة إلى وضع لبنان على سكة الحل والتي تبدأ بعد ملء الفراغ بتشكيل حكومة، مروراً بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي وإقرار القوانين الإصلاحية، وغير ذلك فإننا سنبقى «خارج دورة الزمن»، كما توقع الكاتب السياسي نوفل ضو لـ «عكاظ» قائلا: “إن العالم يمر بحقبة تاريخية بدأت تُرسم من جديد، ولبنان خلال السنوات السنوات الست الماضية وصولاً إلى نهاية ٢٠٢٢ يعيش خارج دورة الزمن الطبيعي للمنطقة، لافتا إلى أن لبنان وبدلاً أن يكون جزءا من سعي المنطقة العربية والخليجية وعملها والرؤى المطروحة على روزناماتها كرؤية٢٠٣٠/ ٢٠٣٥/ ٢٠٤٠/، فإنه ما زال غارقاً في الماضي، وتحديداً في الحقبة الممتدة بين ١٩٢٠ و١٩٤٣ و١٩٥٨.
ورجح عدم الخروج عام ٢٠٢٣ عن المسار نفسه الذي كنا عليه في السنوات الأربع الماضية في ظل الطبقة السياسية الموجودة على مختلف المستويات، سواء كانت في موقع المسؤولية الرسمية أو بالمواقع السياسية والحزبية، لأن هؤلاء يتعمدون تفويت فرصة تاريخية على لبنان وشعبه من الانضمام إلى النظام العربي الجديد الذي يتكون في هذه المرحلة. واعتبر نوفل أن النظام العربي الجديد ليس نظاماً لترتيب البيت العربي فقط بل هو جزء من النظام العالمي الجديد، جزء من العولمة بعدما نجح القادة العرب وفي مقدمتهم السعودية من حجز هذا الموقع في رسم السياسات الدولية وتأمين التوازنات على الساحة الدولية وضمان الاستقرار السياسي والامني والاقتصادي العالمي.
إيران.. أم السلام والعولمة؟
وقال نوفل إن لبنان عام ٢٠٢٢ عاش عاماً من أعوام تفويت الفرص، أما ٢٠٢٣ فمسارها متوقف على اللبنانيين ونأمل أن يكون لديهم الشجاعة بأن يلتقطوا الفرصة قبل ضياعها عليهم مجدداً، مضيفا أن العالم العربي صار بقلب نظام العولمة وشريك في هذا النظام، ولبنان سيكون في ٢٠٢٣ أمام سنة مصيرية، فإما أن يكون خيار اللبنانيين أن يبقوا جزءا من مشاريع الحروب التي تخوضها إيران أو أن يكونوا جزءاً من مشاريع السلام والعولمة والتنمية البشرية.
واعتبر أن انتظام لبنان الداخلي مرتبط بانتظامنا الخارجي، والسؤال الوحيد المطروح، ضمن أي منظومة نريد أن نكون، هل نريد أن نكون ضمن المنظومة المتحضرة؟ إذا كان الأمر كذلك، فهناك مواصفات رئيس ومواصفات حكومة يجب أن تتلاقى مع ما يجري من حولها. أما إذا كان خيارنا أن نكمل على نهج السنوات الماضية، أي أن نبقى جزءا من المشروع الإيراني فحينها سنذهب باتجاه صفقة أو تسوية ونأتي بعهد على شكل العهد الماضي.
ودعا اللبنانيين إلى النظر للسنوات القليلة الماضية التي كانت خارج الحدود اللبنانية، بدءاً من زيارة البابا لشيخ الأزهر في أبو ظبي، والتي استتبعت بزيارة مماثلة للبحرين، مروراً بسلسلة الزيارات للسعودية على مستوى عالمي، من روسية وفرنسية وانجليزية وأمريكية وصينية والتي ترافقت مع عقد القمم، واستضافة مصر لقمة المناخ العالمية وصولاً الى مونديال قطر. والسؤال الموجه للبنانيين: أين لبنان من كل ما حدث ويحدث؟.
انهيار مالي.. ونتائج كارثية
مالياً، يتفق الخبراء على أن الوضع المالي مرشح إلى مزيد من التأزم بفعل السياسات المالية الخاطئة التي اعتمدت أخيرا وأصبحت المسبب الرئيسي لارتفاع الدولار في السوق السوداء والمعرّض لقفزات نوعية مطلع ٢٠٢٣، نتيجة ارتفاع معدل التضخم الذي يغذيه استمرار التهريب عبر الحدود، ما يساهم بتعويم السوق بالسلع غير الخاضعة للرسوم الجمركية، كذلك دور التجار والمضاربين في سوق الصرف. هذه الأسباب ستبقى من المسببات الرئيسية في انهيار أكبر لليرة في العام الجديد ليتخطى الدولار الخمسين ألف ليرة. وانطلاقا من هذا الواقع، ثمة إجماع على أن الانهيار المالي في العام الجديد ستكون نتائجه أكثر كارثية على تصنيف لبنان بين دول العالم.
البروفيسور جاسم عجاقة اكتفى بتوصيف عام ٢٠٢٢ على أنه عام الفشل بإدارة الدولة اللبنانية بكافة أبعادها، أما ٢٠٢٣ فستكون سنة الاستمرار في «نهج الفشل» بإدارة الدولة لأن من الواضح أن السياسية تعطل الاقتصاد.
وقال لـ«عكاظ» إن الحل الوحيد أمام لبنان هو الحل السياسي، إذ إن الحلول التقنية موجودة لكنها غير قابلة للتنفيذ من دون مباركة سياسية، وطالما أن السلطة اللبنانية لديها حصرية القرار، فإن الوضع الاقتصادي والمالي سيبقى متأزماً ومرشحاً لمزيد من الانهيارات إذا لم يتأمن التوافق السياسي العاجل على الحد الأدني من الإصلاحات بدل التلهي بالتعطيل والمناكفات. واتهم عجاقة السياسيين بأنهم باتوا يمتهنون لا بل يحترفون «التعطيل»، ويدركون جيدا أن السياسة مفتاح أي حل لأي أزمة في لبنان، فإذا توافق أهل السلطة سنعبر أزمتنا، لافتا إلى أن أبسط الحلول أمامهم تطبيق بعض الإصلاحات وتحسين العلاقات مع الدول الخليجية.