وأوضح عضو هيئة كبار العلماء الشيخ محمد بن عثيمين -رحمه الله- أن الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة؛ المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى مشروع في وقته، ولا يختص بالمساجد الثلاثة، بل يكون فيها وفي غيرها من المساجد، هذا قول أئمة المسلمين أصحاب المذاهب المتبوعة كالإمام أحمد، ومالك، والشافعي، وأبي حنيفة وغيرهم -رحمهم الله- لعموم قوله تعالى: «وَلاَ تباشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كذلك يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ». ولفظ المساجد عام لجميع المساجد في أقطار الأرض، وجاءت هذه الجملة في آخر آيات الصيام الشامل حكمها لجميع الأمة في جميع الأقطار، فهي خطاب لكل من خوطبوا بالصوم، ولهذا ختمت هذه الأحكام المتحدة في السياق والخطاب بقوله تعالى: «تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كذلك يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ». ومن البعيد جداً أن يخاطب الله الأمة بخطاب لا يشمل إلا أقل القليل منهم، وعن حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: «لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة» قال: هذا الحديث إن سلم من القوادح فهو نفي للكمال، يعني أن الاعتكاف الأكمل ما كان في هذه المساجد الثلاثة، وذلك لشرفها وفضلها على غيرها. ومثل هذا التركيب كثير -أعني أن النفي قد يراد به نفي الكمال لا نفي الحقيقة والصحةـ مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة بحضرة طعام» وغيره. ولا شك أن الأصل في النفي أنه نفي للحقيقة الشرعية أو الحسية، لكن إذا وجد دليل يمنع ذلك تعين الأخذ به، كما في حديث حذيفة. هذا على تقدير سلامته من القوادح.