أدارت هذه الاستضافة بوصلة الاهتمام العالمي تجاه المملكة، وبعثت في بريدها رسائل في غاية الأهمية، ومن ذلك إثبات قدرة الدبلوماسية الناعمة السعودية على إحداث الفارق المنشود، وتغيير الصور النمطية الشائهة عن المملكة، وإعادة تشكيل صورتها الحقيقية، وقدرتها على استضافة الأحداث العالمية بكل اقتدار، وهي رسالة يمتد أثرها وتأثيرها إلى إشاعة الطمأنينة في روع كلّ مشكك في قدرة المملكة على استضافة المونديال العالمي في العام 2034 بإذن الله، وأنها تملك الإمكانات المادية، والكوادر البشرية القادرة على تنظيم الأحداث العالمية مهما كان حجمها، ومهما تعاظم الرهان عليها، فما تأسس من نجاح في استضافة كأس العالم للأندية يشي ويبشّر بنجاح أكثر إبهاراً ودهشة في استضافة كأس العالم بحول الله وقدرته.
لقد أحسنت وزارة الرياضة كل الإحسان وهي تحيي المنطقة التاريخية في جدة، وتجعل من «البلد» محط الاهتمام في خضم التنافس الرياضي في «الجوهرة» ومدينة الأمير عبدالله الفيصل الرياضية، وكذلك ما حدث في منطقة «فن زون» حول ملعب الجوهرة، من فعاليات وأنشطة غاية في الجمال والأهمية، فتكامل لها البعدان الرياضي والسياحي، بما يحمله من مضامين ثقافية وحضارية في غاية الأهمية، للتعريف بالمملكة، إنساناً وحضارة، وفتح بوابات التواصل مع العالم، وفي هذا نجاح آخر للدبلوماسية الناعمة، وإثبات لمكانة المملكة المتقدمة في المنظومة العالمية، بما يهزّ ركائز التصنيف القديم المُقسّم لدول العالم بصورة نمطية، والحاجز لها عن بلوغ الغايات الكبيرة بسطوة النظرة المسبقة، والاستعلاء المبرمج لغايات لا علاقة لها بالواقع المعاش إطلاقاً..
ومع تسليمي المطلق وانبهاري الكبير بما تحقق وأنجز في هذا الملف، فمن المهم جداً أن نشير إلى بعض الملاحظات، ولا أقول السلبيات، رجاء التنبه لها وأخذها في الاعتبار، وأمامنا رهان استضافة المونديال، ومن ذلك؛ ما أثير حول أرضية ملعب «الجوهرة»، وحاجته إلى مزيد من التجويد ليصل المستوى القياسي المطلوب، خاصة أن هذه الملاحظة أتى على ذكرها مدرب بحجم بيب غوارديولا، بما يجعل صورتها تبدو أكبر بكثير في معرض التقييم العام للحدث، بما كان واجباً الانتباه إليها سلفاً، والعمل على تلافيها استباقاً..
والأمر الآخر يتعلّق بحفليْ الافتتاح والاختتام، فقد كنت أتأمل وأتوقع أن يكون هناك حضور للمحمول الثقافي والفني والحضاري للمملكة، لقد كان مهماً بالنسبة لي أن يكون المسرح حاضراً، بجانب الفن التشكيلي، والموسيقى، والسينما، وكل مكونات الثقافة والفنون السعودية، استثماراً للاهتمام العالمي بالاستضافة، فقد كانت الفرصة سانحة لتقديم أنفسنا بالمظهر المعبّر عنّا، والعاكس لحضارتنا وثقافتنا، وتحويل كل مشجع حضر هذه المنافسات إلى حامل رسالة، ورسول بشارة، وشاهد حق وصدق على ما وصلت إليه المملكة من تقدم، فكل هذا لا شك سيفتح لها مسارات القبول والتعريف على أكبر نطاق ممكن، خاصة في عصر الذوبان الحضاري، والتلاشي في الثقافات الأممية الجارفة.
أثق كل الثقة في أن وزارة الرياضة وكافة الجهات ذات الصلة ستخضع ملف استضافة كأس العالم للأندية إلى مزيد من البحث والدراسة، بما يمكنها من التأمين على نقاط النجاح والعمل على تطويرها بمزيد من التدريب والممارسة، في مقابل تلافى الهنات البسيطة، أينما وجدت، في مسعاها لتحقيق كل الممكن وبعض المستحيل، وهي جديرة به وقادرة عليه، طالما جعلت من «الرؤية» مطيّة انطلاقها، ومركب عبورها إلى آفاق بعيدة، ومرامي بلا حدود، وتطلعات بلا سقوف، فصوت الحادي المستنهض للهمم ينادي «نحلم ونحقق».