يأتي هذا اليوم الجمهوري في خضم الاحتفالات المستمرة بـ«آزادي كا أمريت ماهوتساف»، إحياءً لذكرى 75 عاماً من استقلال الهند وإنجازاتها والآن في «أمريت كال» في الفترة التي تقود إلى In the lead upto India@100.
وكأمة شابة نسبياً، برزت الهند كواحدة من الدول الرائدة على الساحة العالمية من حيث التقدم التعليمي والعلمي والتكنولوجي والاقتصادي، مما يجعلها واحدة من أسرع الاقتصادات نمواً في العالم. في هذه الرحلة، استرشدت الدولة بمبادئها الديمقراطية الأساسية المتمثلة في العدل والحرية والمساواة والأخوة، وتطورت إلى مجتمع تعددي حقاً، باحتضان التنوع وملتزمة بتوفير فرص متساوية لجميع مواطنيها، في الوقت نفسه، تواصل فلسفة الحضارة الهندية القديمة، مثل «Vasudhaiva Kutumbkam»؛ أي «العالم عائلة واحدة» التي تقوم بتوجيهنا وتشكيل نهجنا تجاه العالم، والهند مؤيدة للتعددية، بعد أن تم إصلاحها وتدعو إلى نظام دولي ديمقراطي وعادل قائم على القواعد يؤكد على احترام السيادة والسلامة الإقليمية والمساواة بين جميع الدول، بغض النظر عن حجم عدد السكان والقوة العسكرية.
إن الهند باعتبارها أكبر ديمقراطية في العالم وباعتبارها واحدة من أكبر الاقتصادات في العالم وكصوت لجنوب العالم، لديها تطلعات محقة لأن تكون عضواً دائماً في مجلس الأمن للأمم المتحدة، وبينما يتعافى العالم تدريجياً من الدمار الاقتصادي نتيجة لجائحة Covid-19، فإنه ينظر باهتمام إلى قصة نمو الهند الممكنة بالتكنولوجيا والتي أظهرت شهية للابتكار والاعتماد على التكنولوجيا والرقمنة والأتمتة، والهند تستعد لأن تصبح الشريك العالمي الموثوق به في سلاسل التوريد العالمية.
ويُقدر نمو الناتج المحلي الإجمالي في الهند بنسبة 7% في هذه السنة المالية متجاوزاً الاقتصادات النامية الرئيسية الأخرى، ويبلغ اقتصاد الهند الآن 3,1 تريليون دولار، وهي خامس أكبر اقتصاد في العالم، والهند أيضاً في طريقها لأن تصبح اقتصاداً بقيمة 5 تريليونات دولار.
تطور العلاقات الثنائية
الهند والمملكة العربية السعودية صديقان منذ قرون والعلاقات الثنائية مبنية على الاحترام المتبادل والثقة والدفء، ومنذ الاستقلال تطورت العلاقات الثنائية بين الهند والمملكة العربية السعودية تدريجياً إلى شراكة إستراتيجية متعددة الأوجه وذات منفعة متبادلة تشمل العديد من مجالات المشاركة الرئيسية التي تشمل التبادلات الثقافية والتعاون الدفاعي والأمني والتجارة والاستثمارات والرعاية الصحية والتكنولوجيا وأمن الطاقة والغذاء، كما ساهمت الجالية الهندية الكبيرة بشكل إيجابي في رحلة التنمية في المملكة العربية السعودية.
وفي السنوات الأخيرة، رسمت العلاقات التجارية الثنائية بين الهند والمملكة العربية السعودية مسار نمو غير مسبوق مع زيادة عدد المشاركات التجارية في مجالات متنوعة.
ووفقاً للإحصاءات الرسمية، تعد الهند ثاني أكبر شريك تجاري للمملكة العربية السعودية، بينما تعد المملكة العربية السعودية رابع أكبر شريك تجاري للهند، وفي هذه السنة المالية تجاوزت أرقامنا التجارية (من أبريل إلى نوفمبر 2022) بالفعل 36 مليار دولار التي تظهر نمواً سنوياً يزيد على 30%.
وضمن هذا تبلغ قيمة الصادرات الهندية إلى المملكة العربية السعودية ما يقارب من 7 مليارات دولار والواردات من المملكة أكثر من 29 مليار دولار أمريكي، وتشمل الصادرات الهندية الرئيسية إلى المملكة العربية السعودية السلع الهندسية والمنتجات البترولية والكيماويات والحبوب والمنتجات الغذائية وغيرها، في حين أن سلة الصادرات السعودية إلى الهند متكونة من الوقود المعدني والأسمدة والمواد الكيميائية والبلاستيك وغيرها وتظل المملكة العربية السعودية شريكاً قوياً لنا في مجال أمن الطاقة.
مبادرات وفرص ناشئة
مع ازدهار الفرص الناشئة في إطار رؤية المملكة العربية السعودية 2030 والمبادرات الهندية مثل Atmanirbhar Bharat وMake in India، قد توسع التبادل الاستثماري الثنائي ليشمل قطاعات متنوعة في كلا الاقتصادين.
ومسترشدة برؤية القيادة، تعمل السفارة على تطوير شراكة اقتصادية ثنائية شاملة تنطوي على علاقات تجارية واستثمارية متنوعة وضخمة. وفي هذا المسعى، كان مجلس الغرف السعودية (CSC)، ومجلس الأعمال السعودي الهندي (SIBC) شريكاً دائماً لنا، وخلال زيارة الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، للهند في عام 2019، وقعت SIBC مذكرة تفاهم مع اتحاد غرف التجارة والصناعة الهندية لتوسيع العلاقات التجارية الثنائية. كما تحرص منظمات أخرى لترويج التجارة الهندية، مثل اتحاد الصناعات الهندية، ومجلس ترويج التجارة في الهند، واتحاد غرف التجارة والصناعة الهندية والاتحاد الوطني لشركات البرمجيات والخدمات (NASSCOM) وغيرها، على العمل مع المنظمات السعودية للاستفادة من القوة التكميلية لكلا البلدين لتعزيز علاقاتنا الاقتصادية. ونتطلع إلى مواصلة العمل عن كثب مع شركائنا السعوديين لتحقيق الفرص المحددة في إطار مجلس الشراكة الإستراتيجي.
ومن المتوقع أن تزداد المشاركات الثنائية هذا العام مع تولي الهند رئاسة مجموعة العشرين، موضوع رئاسة الهند لمجموعة العشرين هو «Vasudhaiva Kutumbakam» – «One Earth One Family One Future»، وستستضيف الهند أكثر من 200 اجتماع في أكثر من 50 مدينة عبر 32 مسار العمل.
تحقيق المصالح المشتركة
توفر رئاسة الهند لمجموعة العشرين فرصة للبلدين للتعاون الوثيق في هذا المجال متعدد الأطراف المهم لتحقيق مصالحهما المشتركة، كما أن الهند رئيسة منظمة شانغهاي للتعاون مجلس رؤساء الدول، والمملكة العربية السعودية شريك في الحوار.
ويوفر هذا المنتدى أيضاً منصة أخرى للعمل معاً لتحقيق أهدافنا المشتركة للمنطقة، وتعتبر الهند والمملكة العربية السعودية من الاقتصادات البارزة في مجموعة العشرين، وتتمتعان بمجموعة من سبل الشراكة الاقتصادية في إطار مجموعة العشرين، كجزء من رئاستها الحالية لمجموعة العشرين، وتحرص الهند على استكشاف الفرص المحتملة للمشاركة الاقتصادية مع جميع شركائها في مجموعة العشرين، بما في ذلك المملكة العربية السعودية في القطاعات ذات الأولوية، مثل الصحة والبنية التحتية والتعليم والشركات الناشئة وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وفي العام الماضي، تمت عدة زيارات رفيعة المستوى من كلا الجانبين وعززت زخم ارتباطاتنا الثنائية المزدهرة، وقام الدكتور مانسوخ مانديفيا، وزير الصحة ورعاية الأسرة الهندي ووزير الكيماويات والأسمدة بزيارة المملكة العربية السعودية في أغسطس 2022، وقام بإجراء المناقشات مع القيادة في المملكة العربية السعودية، وأصحاب المصلحة من القطاع الخاص لتوسيع مشاركتنا في قطاعي الصحة والأسمدة. وفي سبتمبر 2022، قام معالي وزير الشؤون الخارجية الهندي، الدكتور أس. جايشانكار، وبيوش غويال، وزير التجارة والصناعة بحكومة الهند بزيارة الرياض وشاركا على التوالي في الاجتماعات الوزارية للجان السياسية والاقتصادية لمجلس الشراكة الإستراتيجي وإثر ذلك، قام وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان بن عبد العزيز، والأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية الدكتور نايف الحجرف بزيارة الهند في أكتوبر ونوفمبر 2022م.
زيادة التجارة والاستثمار
بصرف النظر عن الشراكة التقليدية القوية في مجال الطاقة، حيث تعد المملكة العربية السعودية من أكبر موردي النفط الخام وغاز البترول المسال للهند، يحرص كلا البلدين على توسيع العلاقات الثنائية لتشمل مجالات جديدة للتعاون مثل الربط الشبكي، ومشاريع التكنولوجيا المالية، والهيدروجين الأخضر ومواد البناء المستدامة والتعاون بين الشركات الناشئة ومشاريع بنك التصدير والاستيراد.
ويلتزم الجانبان بإزالة الحواجز التجارية والمسائل التنظيمية لزيادة التجارة الثنائية والاستثمار، كما تقوم الهند بإجراء المناقشات مع سلطات لمجلس التعاون لدول الخليج العربية لاستئناف المفاوضات حول اتفاقية التجارة الحرة التي ستمكننا من الاستفادة من الإمكانات غير المحققة من حيث الفرص الاقتصادية في المملكة العربية السعودية، على وجه الخصوص، والمنطقة بشكل عام.
وفي مجال العلاقات الدفاعية الثنائية، تحدث عدد من الأشياء. شهد عام 2022 عدداً قياسياً من السفن التي قامت بزيارة موانئ البحر الأحمر في المملكة العربية السعودية إضافة إلى التعاون البحري في التدريبات والندوات البحرية. نحن ملتزمون بتوسيع العلاقات الدفاعية الثنائية في مجالات التقنيات الناشئة والأمن السيبراني والحرب الإلكترونية والنظام الجوي بدون طيار والفضاء، كما يجري التقارب في مبادرات الصناعة الدفاعية بالتزامن مع سياسات «رؤية 2030» و«الهند المعتمدة عليها» في البلدين.
وفي مجال التعليم يمكن للهند والمملكة العربية السعودية أن تتفاعلا عبر عدة طرق، لا سيما في سياق رؤية المملكة 2030 وسياسة التعليم الجديدة في الهند 2020، وتحرص العديد من الجامعات السعودية على إقامة التعاون الهادف مع مؤسسات التعليم العالي ذات السمعة الطيبة في الهند مثل المعاهد الهندية للتكنولوجيا (IITs) والمعهد الهندي للإدارة (IIM) والمعهد الهندي للعلوم (IISc)، إضافة إلى الجامعات الرائدة في الهند.
تحقيق كامل الإمكانات
تستضيف المملكة العربية السعودية حوالى 2,3 مليون هندي، وأن المساهمة المقدمة من الجالية الهندية في التنمية الاجتماعية والاقتصادية مقدرة ومعترفة بها على نطاق واسع، وخلال هذه السنوات، تنوعت ملامح الجالية الهندية في المملكة بشكل كبير لتشمل على رواد الأعمال والمستثمرين والمصرفيين والرؤساء التنفيذيين للشركات، وإضافة إلى ذلك الأطباء والمهندسين والأكاديميين. وبرزت الجالية الهندية في المملكة العربية السعودية كمصدر رئيسي للتحويلات الأجنبية في الهند. كما تعمل الجالية الهندية كجسر بين البلدين ولها دور مهم في تعزيز العلاقات الثنائية. وحيث إننا نحتفل بمرور 75 عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الهند والمملكة العربية السعودية، أنتهز هذه الفرصة لأعرب عن شكري وتقديري الخالص لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، والأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، لتوجيه العلاقات الثنائية في اتجاه جديد وتمكين البلدين من تحقيق كامل الإمكانات القائمة بين البلدين. كما أن القيادة الهندية ملتزمة تماماً بجعل علاقاتنا أقوى وأكثر تنوعاً.
ويشرفني ويسعدني أن أتولى المهمة الهامة كسفير للهند في المملكة العربية السعودية في هذا الوقت المثير في علاقاتنا، لقد تأثرت بالفعل بالدفء والمودة التي أظهرها لي العديد من كبار المسؤولين في المملكة العربية السعودية فور وصولي إلى هنا.
وإنني أتطلع إلى تلقي الدعم من جميع أصدقائنا السعوديين، في كل من القطاعين الحكومي والخاص وكذلك المشاركة مع الجالية الهندية في ارتقاء علاقاتنا إلى آفاق جديدة في المملكة العربية السعودية.
* السفير الهنديد