وأوضح المختصون الآثار النفسية والاجتماعية للطلاق؛ منها العزلة الاجتماعية، الإحجام عن الدخول في تجربة جديدة، وعدم الرضى والشعور بالحزن واضطرابات ما بعد الصدمة..
وأرجع المستشار الأسري هاشم البار، أسباب ارتفاع حالات الطلاق إلى عدم التوافق بين الزوجين لاختلاف الأفكار أو الثقافات والعادات والتقاليد الاجتماعية، أو لوجود صراع دائم وتنافس مستمر على قيادة الطرف الآخر، فكل طرف يريد فرض السيطرة الكاملة على إدارة دفة الأسرة أو عدم تحمل أحد الزوجين المسؤولية الزوجية تجاه الطرف الآخر وما فيها من تبعات والتزامات مع ضعف ثقافة الحقوق بينهما، ومن الأسباب -طبقاً للبار- سوء العشرة إما بعدم الاهتمام بالطرف الآخر وإشباع حاجاته العاطفية والجسدية والنفسية، إضافة إلى الملل الزوجي، وما يزيد الأسباب السماح بتدخل الأهل أو الأقارب أو الأصدقاء غير المختصين أو الناضجين في حل الخلافات بين الطرفين.
تدخلات خارجية
يقترح المستشار الأسري هاشم البار، حلولاً عدة لمواجهة تزايد حالات الطلاق تبدأ أولاً بأهمية حسن اختيار الشريك، والاحترام والتقدير المتبادل بين الزوجين مع ضرورة تثقيف الأجيال في إطار المناهج الدراسية وطرحها على الأبناء في المدارس والجامعات حسب المراحل العمرية المناسبة، وأهمية تدريب الزوجين على مهارات الحوار والمناقشة وحل الخلافات بعيداً عن التدخلات الخارجية، واللجوء لمحكمين ومختصين متمكنين من أصحاب الخبرة العلمية والعملية في الاستشارات الزوجية، والبحث عن مراكز استشارات معروفة ومتخصصة في أمور الأسرة.
حل سهل.. وصادم
المستشارة الاجتماعية دعاء زهران، أوضحت أسباباً عدة لارتفاع حالات الطلاق؛ منها عدم الإحساس بالمسؤولية وغياب عنصر القدوة، إذ أضحى الطلاق الحل الأسهل لإنهاء الشراكة وبدء شراكة جديدة دون التعلم من الخسارة الماضية، ومن أكثر المؤثرات في استقرار الحياة الزوجية (السوشيل ميديا) والتقليد الأعمى.
وتشير المستشارة الاجتماعية زهران، إلى مشكلة أخرى تتمثل في طلاق حديثي الزواج لجهلهم بمفهوم الزواج الحقيقي وعدم فهم شخصيات بعضهما والهروب من تحمّل المسؤوليات الجديدة في الحياة الزوجية، فيصبح اللجوء للحل الأسرع بإنهاء الحياة الزوجية.
وتؤكد زهران أهمية حضور المقبلين على الزواج للدورات التي تخولهم معرفة كيفية مواجهة المشكلات الزوجية بمعايير سليمة.
متى يحق للزوجة الطلاق؟
المستشار القانوني هشام حنبولي، يقول: إنه يحق للزوجة التقدم بطلب الطلاق إذا تم الإخلال بأحد شروط عقد الزواج، فالشروط أولى بالتطبيق والالتزام بها؛ لأن المرء يستحل بموجب هذا العقد زوجته، وبالتالي من الأهمية الالتزام بشروط عقد الزواج. مبيناً أن شروط عقد الزواج منها ما هو ثانوي وأخرى ملزمة والإخلال بها يعطي الزوجة الحق في طلب الطلاق، فعلى سبيل المثال إذا اشترطت المرأة في عقد الزواج سكناً مستقلاً فوجئت بأن الزوج مؤمن لها سكن مع أسرته فهذا شرط جوهري يحق للمرأة بموجبه طلب الطلاق.
وكذا شرطا العمل والدراسة إذا تم الإخلال بهما من حق الزوجة التقدم بفسخ النكاح بحيث لا يحق للزوج في هذه الحالة استعادة المهر.
خيبة الأمل وعودة الثقة
أشارت الأخصائية النفسية نوال الزهراني إلى أنه يمكن أن يكون للطلاق أثر نفسي كبير على حياة كل فرد في الأسر، ويختلف الأثر من فرد لآخر، ويراوح الأثر بين المخاوف ونفاد الصبر والاستياء والشعور بالذنب والقلق والغضب واضطراب ما بعد الصدمة، وانخفاض احترام الذات وانعدام الأمن، فضلاً أن النساء المطلقات يشعرن بالوصم الاجتماعي أكثر من الذكور، كما أن الأطراف المتضررة من الطلاق تمر بمحطات عدة تمثل المراحل النفسية والعاطفية، وتبدأ المراحل بمرحلة إلقاء اللوم على الآخر وخيبة الأمل، وتتبعها مرحلة عدم الرضى والشعور بالحزن، ثم تبدأ بعد ذلك مرحلة إعادة بناء الثقة بالحياة والتكيف مع الوضع الجديد استعداداً للحياة، لتصل لمرحلة التعافي والبداية الجديدة..
وأكدت نوال الزهراني أنه يمكن أن تتكرر تجربه الطلاق في ظل عدم التوافق والاتفاق وعدم الفهم الصحيح لمسؤولية الحياة الزوجية، وإذا كان هنالك خلل أو اضطراب نفسي لدى أحد الطرفين فإنه حتماً سيقود لحالة من الاضطراب وعدم الاستقرار النفسي ما يؤدي الى تكرار التجربة.
الاستعانة بطبيب نفسي
ترى الاستشارية أشماخ، أنه إذا كان الشخص يعاني من اضطرابات نفسية أو صعوبات شخصية لم يقم بحلها يمكنه سهولة إعادة الخطأ وعدم النجاح في تجربة زواج جديدة. ومن الحكمة قبل الزواج أن يكون للشخص معرفة تامة بذاته ونقاط قوته وضعفه والصعوبات والتحديات التي قد تواجه حاجاته النفسية والاجتماعية وأهدافه من الزواج ومدى توافقها مع أهداف الطرف الآخر «لا أرى أي مشكلة في الاستعانة بأخصائي نفسي إذا كان الشخص يعاني من بعض المشكلات النفسية وألا يقدم على الزواج حتى يتعالج، ولا ضرر حتى عند انعدام المشكلات النفسية استشارة متخصص في العلاقات الزوجية لتكون الرؤية واضحة وموضوعية وبعيدة عن الحماس العاطفي».
واختتمت حديثها قائلة: في رأيي حتى إن قام الطرفان بالتعرف على بعضهما خلال فترة الخطوبة أنصح عند الزواج التأني في قرار الإنجاب، لأن السنتين الأولى والثانية من الزواج تمكنهما من التعرف على بعضهما بصورة أوضح والتأكد ما إذا كان الزواج بإمكانه الاستمرار بصورة إيجابية تضمن حياة مشتركة يسودها التوافق والوئام وسعادة الطرفين.
تجاوز مشاعر الإنكار والغضب والمساومة
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبدالعزيز سابقاً والباحثة في شؤون الأسرة الدكتورة فوزية باشطح، ترى أن الآثار الاجتماعية للطلاق عديدة وأكثرها شيوعاً العزلة الاجتماعية عن العالم الخارجي والناتجة عن الضغوط النفسية والانعزال عن الوسط الخارجي وفقدان الثقة نتيجة التعرض للانتقادات، إضافة لتشتت الأسرة وضياع الأبناء أو فقدان الأمان وغياب القدوة وخلق جيل حاقد ناقم يسعى نحو سلوكيات تترجم رفضه واعتراضه كالهروب من المدرسة أو تعاطي المخدرات.
كما أن الاختلال القيمي من الآثار الاجتماعية التي تظهر نتيجة ارتفاع ظاهرة الطلاق في المجتمع، خصوصاً للقيم التي يسعى المجتمع لترسيخها في أذهان أفراده وسلوكياتهم كالترابط والتراحم والتعاون والتسامح.
وأضافت باشطح أنه عند التساؤل عن الإطار الزمني لمواجهة تداعيات الطلاق للإقبال على حياة جديدة فهذا الأمر ليس له قاعدة ثابتة، فالبعض يرى أن الارتباط السريع قد يخفف من إحساس الفشل حسب الدراسات العلمية لبعض الباحثين والبعض يرى العكس، إلا أن النفسيين ينصحون بأن لا يدخل الشخص في علاقة جديدة قبل مرور 3 أشهر على الانفصال قبل الشروع في الزواج مرة أخرى بعد الطلاق مباشرة لتجاوز مشاعر الإنكار، الغضب، المساومة، الاكتئاب، التقبل. التي يختلف ترتيبها من شخص لآخر، ولكن المهم في النهاية أن تكون المشاعر ناحية الشريك السابق متعادلة، لا هي حب ولا هي حقد أو كراهية، وأن تصل إلى تقبل التجربة التي مر بها، ليس نادماً ولا حاقداً أو متحسراً، بل متقبل لمشيئة الله فيما جرى معه، ومعترف بمسؤوليته الجزئية في مساره النهائي. وفي ما يتعلق بتكرر تجربة الطلاق أشارت باشطح، ألى أنه من وجهة نظرها المبنية على الملاحظات الواقعية فالإجابة بنعم في حالة كانت التجربة الثانية مبنية على استمرارية المقارنة بين التجربتين، بينما في حالات كثيرة يعتمد نجاح التجربة الثانية عادةً ما يكون مسألة حياة أو موت لتفادي اللوم الاجتماعي، فترى الزوجان يقدمان مزيداً من العطاء ومحاولة التكيّف مع الحياة الجديدة والتغاضي عن كثير من المشكلات.
مطلقات يروين تجاربهن لـ «عكاظ»
وعن سبب لجوئها للطلاق تقول إحداهن إن زوجها السابق كان يعاني من خصلة سيئة ألا وهي الكذب في كافة مناحي الحياة. وتقول: حاولت جاهدة تغيير هذه الصفة التي باتت تنعكس على كافة تعاملاته الحياتية ناهيك عن نقله كل أسرار حياتنا الزوجية إلى منزل أسرته، إضافة إلى استغلالي مادياً، فلجأت إلى طلب الطلاق خصوصاً أن ليس لديها أطفال يتحملون تبعات الطلاق..
أما نهلة فتقول: إنها بعد مضي 5 سنوات على زواجها اضطر زوجها لترك الوظيفة التي يعمل بها بحجة البحث عن وظيفة أخرى لتحسين دخله المادي، واكتشفت بعد ذلك عدم جديته في البحث عن وظيفة معتمداً على دخلها المادي، ما جعلها لا تحتمل العيش مع رجل لا يعمل ولم تستطع تحمل كافة التبعات المادية خصوصاً أن لديها طفلاً وأصبحت تحاط بهمسات أن زوجها عاطل ويعتمد عليها.
من جهتها تروي سمر، حكايتها قائلة: بعد مضي سنتين على زواجها بدأ زوجها يطلب منها الانتقال للسكن لدي أسرته وما كان منها إلا الرفض؛ لأن السكن في بيت العائلة يسبب مشكلات كثيرة وتدخل كافة الأطراف ومع الوقت رضخت لطلبه وانتقلت لمنزل أسرته وفي النهاية حدث الطلاق نتيجة تدخل أهله في كافة تفاصيل حياتهما.
أبغض الحلال.. ولكن!
تقول الاستشارية النفسية والاجتماعية الدكتورة فوزية أشماخ، إن أبغض الحلال عند الله الطلاق، وأحياناً يكون الطلاق هو الحل الأمثل لدرء انعكاسات نفسية سلبية على الطرفين، خصوصاً إذا لم يكن هناك توافق على المستوى الشخصي والاجتماعي والثقافي بالنسبة للآثار السلبية على الطرفين فهي نسبية وحسب ظروف الأطراف، فعند ظهور المشكلات خصوصاً في السنوات الأولى، وإذا تعذر إيجاد التوافق بين الطرفين بموضوعية فالأفضل الانفصال، فإذا كان الطلاق مبنياً على أسباب موضوعية ومنطقية فالأرجح ألا يؤثر سلباً على الطرفين، وإذا كانت هناك تأثيرات فهي متفاوتة حسب ظروف مختلف الأطراف وحسب السن والنضج والاستقلال المادي وتواجد أطفال، وهذه من العوامل التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في قرار الطلاق ودراسة تبعاته.
وترى فوزية أشماخ، أنه كلما كان قرار الانفصال مبنياً على أسباب واقعية وحقيقية استطاع الطرفان تخطي المرحلة بصورة جيدة؛ لأن المفروض أن الطلاق هو حل للمشكلة لا بداية للمشكلات.