أمريكا بالذات تعرف تماماً ما هي الأسباب الجذرية لكل ما يحدث من أزمات وتوترات لسبب بسيط وبديهي ومباشر، هو أنها هي التي أوجدتها أو شاركت في وجودها، وهي التي أجهضت الحلول الممكنة لها، أو التي تحد من تفاقمها على الأقل. المشروع الأمريكي لتحويل المنطقة إلى ساحة مضطربة مسكونة بالأزمات المتتابعة هو مشروع استراتيجي، اختلفت الإدارات الأمريكية في كيفية إدارته، لكنها لا تختلف في ضرورة استمراره بأساليب مختلفة تعتمد على المعطيات المستجدة. التكتيك فقط هو الذي يتغير أما الاستراتيجية فهي ثابتة.
أمريكا لم ولن تلجم حكومات اليمين المتطرف في إسرائيل التي أجهضت كل احتمالات السلام استناداً إلى قرارات الشرعية الدولية، ودعمتها بشكل غير مسبوق في حربها البشعة الأخيرة على غزة، رغم جرائمها ضد الإنسانية والقانون الدولي لحقوق الإنسان، مارست إسرائيل أبشع إبادة جماعية للمدنيين في التأريخ الحديث، لكن أمريكا تؤيدها بشكل مطلق في أن ذلك من حق الدفاع عن النفس، وبسبب هذه الحرب أو بذريعتها نشطت جماعة الحوثيين وتهورت بالاعتداء على بعض السفن في البحر الأحمر، لتعلن إسرائيل بأنها مستهدفة من هذه الجماعة، كي تجد أمريكا مبرراً لإيجاد قوة عسكرية بذريعة حماية الممرات المائية، أو بمعنى آخر عسكرة البحر الأحمر الذي يضم أهم ممرين، مضيق باب المندب وقناة السويس، ولكن دون أي مبادرة لضبط السبب الأساسي وهو المليشيا الحوثية التي تعربد في اليمن وتهدد أمن الجوار برعونتها. هل نستطيع أن نستوعب أن الحوثيين لديهم هذه الجرأة لو لم تكن أمريكا راضية عما تفعله، أو مدفوعة منها، وهي التي أجهضت إمكانية تحرير بعض المناطق اليمنية المهمة في أوقات سابقة ؟
المؤشرات تدل على أن الوضع باتجاه التصعيد في جبهات عديدة؛ ولذلك الحذر كل الحذر من الفخاخ التي تنصبها أمريكا لإيجاد مزيد من الأزمات واضطراب أمن المنطقة.