لا أشك مطلقاً في النشوة التي يستشعرها قادة حماس والفصائل الموالية لإيران بتوسيع رقعة الصراع خارج غزة حتى وإن منيت بالهزائم والمطاردة والتحييد على أرضها وقتل آلاف الأبرياء وتهجير مئات الآلاف وحرق القطاع بأكمله، فكل ما سبق هو حصيلة متوقعة ضمن الأجندة المرسومة وأمام آلة حرب ضخمة كدولة إسرائيل التي تستند على قوى دولية طوعت لها القوانين والأسلحة والاستيطان، فالنتائج لعبث حماس والفصائل الأخرى بتدويل الصراع وتوسيع نطاق الاشتباكات لتضم دولاً ومضائق بحرية ومياهاً دولية هي بالتأكيد حرب طويلة تهدد الأمن والسلم العالميين وفق مسوغات الإرهاب سواء على مستوى المنظمات أو الدول!
إزاء الهجمات التي تنفذها المليشيا الحوثية في منطقة باب المندب، والتهديدات التي دخلت حيز الخطر بازدياد عمليات استهداف سفن تجارية بمدخل البحر الأحمر بصواريخ ومُسيّرات تطلقها مليشيات الحوثي من السواحل اليمنية، وإعلان عدد من شركات الشحن العالمية تجنّب المرور في البحر الأحمر، تحاشياً لتعرضها للخطر الذي يزيد قيمة التأمين في منطقة يمر بها نحو 40 % من حركة التجارة العالمية ؛ أعلن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن تشكيل تحالف دولي يضم 10 دول للتصدي لهجمات الحوثيين المتكررة على سفن مرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر لضمان حرية الملاحة لكل البلدان ولتعزيز الأمن والازدهار الإقليميين -حسب تصريح اوستن- ويضم التحالف الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، والبحرين، وكندا، وفرنسا، وإيطاليا، وهولندا، والنرويج، وسيشل، وإسبانيا. هذا التسارع في وتيرة التحركات العسكرية في البحر الأحمر يثير المخاوف من توسع رقعة المواجهة في المنطقة التي يوجد بها 11 قاعدة عسكرية في منطقة القرن الأفريقي القريبة من مدخل البحر الأحمر لدول متنافسة إقليمياً ودولياً كالولايات المتحدة، والصين، وفرنسا، وتركيا، فضلاً عن روسيا التي تسعى للتواجد في المنطقة عبر التعاون مع إريتريا، وهذا التحالف قد يفتح المجال لتحالفات مضادة أخرى، وهذا نذير باندلاع حرب دولية طويلة الأمد وفرض شروط جديدة على منطقة البحر الأحمر والملاحة الدولية في المنطقة!
لو عدنا للوراء قليلاً، واستحضرنا الجهود الأمريكية لعرقلة التحالف السعودي العسكري ضد عمليات الحوثي، وإلغاء تصنيف المليشيا الحوثية ضمن الجماعات الإرهابية في فبراير 2021، رغم وجود قرار صادر خلال إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب بإدراجها في قائمة الإرهاب الدولية، ورغم التهديدات المستمرة على المملكة من هذه المليشيا إلا أنها آثرت التنحي عن أية تحالفات تفاقم الصراع في المنطقة، فضلاً عن تجنّب فتح جبهةِ حرب جديدة، فلتتحمل واشنطن المهمة التي عرقلتها عبثاً (بأثمان مضاعفة).