لم نعد نعرف بالضبط ماذا تريد الدول الكبرى أو العظمى لهذا العالم، وماذا تريد أن تفعل به، ونحن نراقب التناقضات الصارخة بين ما يقال وما يُفعل. تطالب تلك الدول، وفي مقدمتها بالطبع أمريكا، بقية دول العالم بضمان حقوق الانسان بمختلف أشكالها وتوفير أساسيات الحياة من غذاء وماء ودواء واستقرار وأمن وأمان، وتجنب الحروب والصراعات والأزمات، والحفاظ على كوكب الأرض من التلوث وتقنين استخدام موارده الطبيعية بما يحقق العدالة بين البشر، وغير ذلك من المطالب التي تبدو نبيلة وفي غاية الإنسانية، بينما الذي يحدث هو السباق الخطير الذي قد يؤدي في لحظة تهور أو نتيجة خطأ، لتدمير الأرض ومن عليها خلال عشية وضحاها.
هذا الواقع المتناقض معروف للجميع، والذي أعاد تذكيرنا للحديث عنه ما تم إعلانه قبل يومين عن موافقة الرئيس الأمريكي جو بايدن على مدّ أوكرانيا بالذخائر العنقودية الأمريكية من مخزونات وزارة الدفاع، بعد شهور من الجدل الداخلي حول ما إذا كان سيتم توفير هذه الذخائر التي تحظرها معظم دول العالم لأنها «غير إنسانية وعشوائية»، وللمعلومية فإن أمريكا وحدها لديها ما يصل إلى 3 ملايين من الذخائر العنقودية المتاحة للاستخدام، ولكي نعرف شيئاً عن كارثية هذه الذخائر فإنها تطلق عدداً كبيراً من القنابل الصغيرة التي تتسبب في قتل عشوائي في مساحة واسعة مما يهدد حياة المدنيين، وتشكّل القنابل الصغيرة التي لا تنفجر خطراً لسنوات بعد انتهاء الصراع.
التبريرات التي ذكرتها الإدارة الأمريكية لا تقل عجباً واستهانةً بعقول البشر؛ ومنها أن أوكرانيا أكدت أنها ستستخدم القنابل العنقودية فقط على أراضيها، وليس في أي مكان آخر، وتعهدت باستخدام تلك الذخائر بشكل لا يضرّ بالمدنيين، وبإزالتها بعد انتهاء الحرب، مع الإشارة الى حق أوكرانيا في استخدامها طالما استخدمتها روسيا بحسب رواية المسؤولين الأمريكيين.
ليست أمريكا وحدها من تمارس هذا التناقض، ففي كل تلك الدول الموصوفة بالكبرى التي تدير العالم، تتجاور مصانع الأسلحة الفتاكة مع مصانع الدواء والغذاء، ويقف مسؤولون على المنابر مطالبين بالحفاظ على حياة البشر، وبجانبهم آخرون يديرون آلات الحروب ويغذون لهبها ويتوعدون بإطلاق العنان لترسانات الأسلحة المبيدة للحياة. إنهم يمارسون كل هذا القبح ويريدون إجبار العالم على تصديقهم بأنهم يريدون له الخير.