تتوغل في صفحات الكتاب، فتتخيل على الفور قدرة المدرب الشهير «غوارديولا» في التحكّم في «رتم» الفريق، واختيار اللحظة المناسبة، وأحياناً الحاسمة، أو تلك «التمريرة الطويلة» التي تغري للاندفاع، كذلك يفعل «علي مكّي» إذا يصنع «القرار» ليكون «الجواب» الذي يريد هو ردة الفعل، وأحياناً يزرع ألغامه في أنغامه، وكأنه يراقب «خطاً درامياً» للحوار، يشعر أن ثمة خفوتاً في الصراع، فيستفز الضيف بسؤالٍ يبدو وكأنه في غاية العفوية، يتركه حتى يصل حافّة الانفجار، ثم يهادنه بسؤال شهيّ تسيل له ذائقة الضيف حتى يبدو أكثر وداعة، معه -الكتاب والكاتب- تشعر أن الحوارات الصحفية لعبة تحتاج الكثير من المكر، والكثير الكثير من الدهاء، لا يكفي أن تكون مثقفاً لتكون محاوراً ناجحاً، أو قل مبدعاً، ينبغي أن تملك نباهة البدو، وصبر البحّارة، وكل هذه مصادر قوّة للمحاور، لكن الأهم أن تعرف اللحظة الفاتنة التي ترمي فيها سنّارة استفهامك (؟)، والأهم أن تعرف مسبقاً ماذا ستجذب من بحر أو دلاء الآخرين، والمعرفة هنا مُربكة، فلكي ينجح المحاور عليه أن يؤمن بأن سؤاله قادر في كل مرة أن يأتي بإجابة غير متوقعة، إن نجحت بتخمين (خراج) سؤالك فعليك أن تحاول ألا تفعل ذلك في السؤال التالي، إن سألت عمّا تتوقع أن تسمعه فإنك ستفقد شغفك والقارئ معاً، هكذا يقول كتاب (علمانيون وإسلاميون) وإن لم يقله علي مكّي صراحة!
الكتاب «وثيقة» فكرية وأدبية مهمة وثمينة، أن تجد أكثر من (20) حواراً طويلاً وعميقاً مع أدباء ومفكرين بكتاب واحد فذلك نصر للذائقة، وجبة ثقافية وفكرية دسمة، ومع ذلك تتمنّى أن لا تنتهي، خاصة أن تنوّع الحوارات لم يكن فكراً مع الضيوف، بل وحتى المحاور، فتقرأ شاباً في العشرين يحاور أديباً كبيراً، وتجد (شاباً أيضاً على مشارف الخمسين) ما زال يحاور الكبار بنفس الشغف، والحِدة أحياناً.
أخيراً يظل هذا الإصدار إضافة مهمة للقراء والباحثين العرب، ووثيقة مهمة تحمل آراء رموز مهمة في وطننا العربي شجونه وشؤونه، وسجونه أيضاً!