على الفور اتصلت على شقيقها الذي وصل مسرعاً وذهب مع أحمد إلى المستشفى وبعد الفحوصات والتحاليل أخبره الطبيب أنه يعاني من مرض «عرق النساء».
لم يستوعب أحمد ما سمعه.. كيف يصاب بمرض خاص بالنساء وكيف انتقل إليه، وذهبت هواجسه إلى زوجته وأنها السبب في نقل العدوى إليه، لكن الطبيب أخبره أن عرق النساء يصيب الرجال والنساء، وأن النساء لا علاقة لهن بالاسم، وأوصاه بالراحة ومحاولة البحث عن عمل آخر؛ فالاهتزازات التي يتعرض لها يومياً في عمله عند استخدامه الدكاكة هي التي أصابته بمرض عرق النساء. حمل أدويته وعاد الى منزله وهو يفكر في المرض.
أورام في العمود أو ذيل الفرس!
«عكاظ»، سألت أخصائي طب الأسرة بمركز صحي الأمير عبدالمجيد في جدة الدكتور محمد جمعة، عن عرق النساء، ابتسم وصمت وقال: كثير من النساء يظنن أن المرض يصيب النساء فقط ويستعجبن إصابة الرجال به، وهذه معلومة خاطئة ولا علاقة بين المرض والاسم الذي اكتشفه لأول مرة طبيب يوناني يعد من أبرز الشخصيات في تاريخ الطب (أبقراط) الذي عاش في العصر الكلاسيكي اليوناني وتوفي في 370 ق.م. واشتق اسم المرض من كلمة يونانية (Ischios) وتعني ألم الحوض والساق، ومعناه أن المرض ينسي المريض من شدته كل شيء.
مضيفاً أن عرق النساء ألم ناتج عن التهاب في العصب الوركي بسبب وجود ضغط على العصب أو مرض أو تعرضه لأي إصابة. وعن أسباب الإصابة يقول الدكتور جمعة: عادة ما تكون بسبب تعرض المريض لانزلاق غضروفي عند إحدى فقرات العمود الفقري، ويحدث ذلك غالباً مع التقدّم في السن أو لأسباب أقل شيوعا كوجود ضيق في العمود الفقري أو إصابته بأورام في العمود الفقري أو متلازمة ذيل الفرس، مبيناً أن الأعراض غالباً ما تكون ألماً بمنطقة أسفل الظهر أو أعلى المؤخرة في الغالب مع وجود تنميل أو خدر في تلك المنطقة أو إحساس بوجود وخز قد يمتد الى أخمص القدم.
آخر العلاج.. الجراحة
أخصائي طب الأسرة جمعة، أشار الى أن الأشخاص الأكثر عرضة لعرق النساء هم من بلغوا الخمسين أو الذين يعانون من وزن وارتفاع في معدل كتلة الجسم، الذين يقضون وقتاً طويلاً في الجلوس أو الذين يعملون في مهن تعرض أجسامهم للاهتزازات، والمصابون بمرض السكري. ويضيف، أن مرض عرق النساء من الأمراض الشائعة في تخصص طب الأسرة وتخصص العظام. وتشخيص المرض يستدعي أخذ التاريخ المرضي بعناية وعمل الكشف السريري، وقد يستدعي ذلك في بعض الحالات أشعة مقطعية أو رنيناً مغناطيسياً لمتابعة الحالة والتأكد من عدم وجود مرض آخر يتشابه مع أعراض عرق النساء. ويصف الدكتور جمعة، العلاج، موضحاً أنه ينقسم إلى علاجات دوائية كالمسكنات أو الإبر الموضعية (الكورتيزون)، والعلاج الطبيعي وتعديل وضعية الجلوس، خصوصاً إذا كان المريض من الأشخاص الذين يتطلب عملهم الجلوس لفترات مطولة على الكرسي، وفي حال فشل تلك العلاجات هنا يتدخل الحل الجراحي.
من أكثر زوار أطباء العظام؟
لأن عرق النساء من الأمراض التي تحتاج الى مراجعة أطباء أمراض العظام، طرحت «عكاظ» الموضوع على استشاري جراحة العظام والمفاصل والكسور الدكتور عبدالعزيز باصقر، الذي بين أن أمراض آلام الظهر هي ثاني أكثر سبب لزيارة عيادة الطبيب بعد الالتهابات التنفسية، وهي من الأمراض الشائعة التي تصيب بين 50- 80% من البشر على الأقل مرة واحدة خلال حياتهم، وهذا لا يعني بالضرورة وجود مرض عضوي يستدعي التدخل الطبي، لكنها أمراض عابرة نتيجة التعرض لأي شيء في الحياة، وتزول معظم آلام الظهر تلقائياً خلال ستة أسابيع من ظهورها، وفي حالة استمرار الألم هنا يستوجب زيارة عيادة الطبيب المختص، مشيراً الى أن الحالات الخطرة التي تصيب ظهر الإنسان هي نتيجة زيادة الوزن والجلوس لفترات طويلة وحمل الأوزان الثقيلة والتعرض للإصابات والسقوط وتشغيل آلات ذات اهتزاز عال.
ويوضح الدكتور باصقر، أن آلام عرق النساء في الغالب تمتد من الظهر وصولاً الى الأرداف والجزء الخلفي للفخذ والساق وصولاً إلى القدم، ويكمن الارتباط بين آلام أسفل الظهر والتهاب العصب الوركي (عرق النساء) حينما يتعرض جزء من العصب للضغط بسبب الانزلاق الغضروفي أو نتيجة فرط نمو العظام بسبب خشونة مفاصل العمود الفقري، وتصاحب هذا الالتهاب آلام ممتدة من الظهر وصولاً إلى الأرداف والجزء الخلفي للفخذ والساق وصولاً إلى القدم مع وجود خدر في الساق المصابة.
استئصال الصفيحة الفقرية
استشاري العظام باصقر، قال إن استجابة آلام عرق النساء للعلاج التحفظي تصل إلى 90% وهي تشتمل على مسكنات الألم، العلاج الطبيعي، تغيير نمط الحياة بشرط عدم وجود علامات الخطر وهي فقد الإحساس في الساق المصابة، ضعف الساق المصابة، عدم التحكم في التبول أو التبرز، وعدم استجابة الألم للمسكنات. ولأن مرض عرق النساء في الأساس انزلاق غضروفي وله مضاعفات خطيرة تتطلب التدخل الجراحي عند فشل الوسائل الأخرى في علاجها، يتدخل الجراح في إجراء عملية للانزلاق الغضروفي لتخفيف الضغط على الأعصاب والحبل الشوكي من خلال استئصال الصفيحة الفقرية بإزالة جزء من عظام إحدى الفقرات؛ لتقليل الضغط على العصب؛ وإجراء شق في الظهر عند الجزء المصاب، ويتم سحب العصب وإزالة جزء العظام أو الأربطة التي تضغط على العصب، وقد يضطر الطبيب في هذه الحالة إلى زراعة فقرات صناعية للمريض، أو يقوم باستئصال القرص؛ بهدف تخفيف الضغط على العصب، بإحداث شق في الظهر وسحب العصب بعيداً بلطف؛ ليصل إلى القرص المنتفخ أو المتدلي ثم يزيل جزءاً مناسباً منه ويترك الباقي ليقوم بعمله (امتصاص الصدمات).
منظار الكاميرا في الظهر
ويشير استشاري جراحة العظام والمفاصل باصقر، إلى أنه أحياناً يضطر الجراح الى دمج الفقرات؛ بهدف إعادة ربط فقرات العمود الفقري ببعضها من خلال وضع جزء من العظام في الفراغ الموجود بينهما، والذي يتم الحصول عليه من جزء آخر من الجسم، مثل الورك أو عظام متبرع أو بديل صناعي، ولضمان نجاح هذا الإجراء يقوم الجراح بتثبيت العظام بالمسامير والقضبان الجراحية. أو يلجأ الى جراحة ثقب المفتاح (التنظير الدقيق)، وهي جراحة تتم باستخدام المنظار، إذ يتم إحداث شق صغير في الظهر؛ لإدخال المنظار المزود بكاميرا والأدوات الجراحية من خلاله، ومن خلال شاشة فيديو يتم عرض العملية، مبيناً أن هذه العملية لا تناسب الجميع، كما أنها قد تسبب نسبة خطورة أعلى مقارنة بالجراحة المفتوحة.
قبل العملية.. هل أنت لائق طبياً؟
حتى يستفيد مريض عرق النساء الذي تحتاج حالته الى تدخل جراحي يقول استشاري جراحة العظام والعمود الفقري الدكتور محمد السواط: قبل دخول المريض غرفة العمليات بأسبوعين يخضع الى تقييم شامل من خلال اختبارات الدم، فحص بدني شامل، اختبارات التصوير، مثل تصوير العمود الفقري بالأشعة السينية أو الرنين المغناطيسي، مناقشة المخاوف التي قد تكون لدى المريض عن العملية. ولضمان نسبة شفاء عالية دون الإصابة بمضاعفات خطيرة بعد العملية يجب أن يكون المريض لائقاً بدنياً، وأن يتوقف تماماً عن التدخين ويبتعد عن المدخنين، ويحرص على تطبيق نظام غذائي صحي ويبتعد عن الوجبات السريعة والدسمة، ويقوم بتطبيق نظام لممارسة الرياضة بصورة دورية، وتجنب حمل الأشياء الثقيلة أو الالتواء بشكل مفاجئ، والميل والانحناء عند القيام بالأنشطة اليومية، ويفضل ألا يعود المريض للعمل قبل مرور شهر ونصف على الأقل من العملية، ويتجنب تناول أدوية مضادات الالتهابات غير الاسترويدية. وينصح الأطباء بأن ينام المريض على بطنه مع وضع وسادة رقيقة أسفلها بعد عملية الانزلاق الغضروفي؛ للحفاظ على استقامة الظهر، وتجنب النوم لمدة طويلة؛ لأنه يؤثر على نتائج العملية.