وفي كل مرة يسعى الضوء فيها إلى الروائي عبده خال حمدي يتجه مؤشر البوصلة إلى (جازان) مسقط رأسه؛ ومرابع بزوغ شمس النص قبل الشخص؛ خصوصاً في الصباحات التي تحمله (أمه) في الهندول، وتمضي به إلى المزارع، تحرث وتحصد وهو يصغي لأهازيجها «يا غيمة يا غافلة، دوري مع امقافلة، يا غيمة نجمك سهيل، املي معقومة بسيل، واتمسي في أرضنا».
ولأنّ الحكي من اختصاص النساء، عشق (أبو وشل) عوالم السرد الناعم، وخزّن في ذاكرته ما يفتح به حواراً مع بوابة الأرض، واقتنع حينها بأن (لا أحد) وأنه (ليس هناك ما يُبهج) فاتجه لمسامرة النجوم، ومناجاتها لتردد قريته (من يغنّي في هذا الليل) ثم قرر الارتحال خوفاً من (الموت الذي يمر من هنا) والسكنى بعيداً عن (مدن تأكل العشب).
كانت الهجرة لحارتي الهنداوية والسبيل في مدينة جدة لترتسم ملامح السارد على محيا البحر، وشدّ الشراع للإبحار محاولاً إطلاق سراح عوالم سكنته، يطمح لإخلاء سبيلها، لتخلق لها حيوات أخرى، فالأزمات والمآسي والمتاعب إذا انكتبت قُتِلت. درس السياسة طامحاً في فضاء دبلوماسي يجوب من خلاله العالم، ويكتشف الوجه الآخر لما وراء الحدود، إلا أن غواية الصحافة كسرت مجاديف القارب بالقرب من الميناغ، فلبث في بلاطها بضع سنين، مع عمله بالتدريس، إلا أنه هجر (مهنة المتاعب) مؤثراً الدفاع عن (الكذب الرصين).
ولأن تفكيره منصب على إبداعه حاز الجوائز وحظي بالتكريم، ولم يقف التتويج عند (البوكر) بل توّج أمس الأول بوسام شرف (كُتّاب أفريقيا وآسيا) تقديراً لدوره الكبير في الحياة الثقافية العربية.
ويعد وسام الشرف أعلى تقدير يمنحه الاتحاد الذي تأسس عام 1958، ويضم في عضويته 47 دولة من ثلاث قارات، ومثّله المستشار السابق للرئيس المصري والأمين العام للاتحاد الكاتب أحمد المسلماني في تسليم الوسام لكاتبنا في مدينة الرياض.
وأوضحت الأمانة العامة لاتحاد كتاب أفريقيا وآسيا في حيثيات الاستحقاق أن الأديب السعودي الكبير عبده خال أنجز مشروعاً أدبياً مدهشاً، رائداً في توقيته وجديداً في جرأته، وقدم نقداً اجتماعياً مبكراً، وجعل للمهمشين والمطحونين مكاناً مركزياً في أعماله. وخلا مشروعه الأدبي من الارتباك والالتفاف، بل جاء واضحاً ومنظماً.. يمتلك خريطة طريق واضحة، ويعرف جيداً من أين يبدأ وكيف يمضي وإلى أين يسير، ووجهوا الدعوة لحضور ندوة موسعة عن صاحب (ترمي بشرر) في القاهرة صيف 2024.