انفجرت الأوضاع في غزة وباقي الأراضي الفلسطينية المحتلة كما كان متوقعاً على امتداد الشهور الماضية، صحيح أن هذا الانفجار كان مفاجئاً في حجمه وشدته ولكنه لم يكن كذلك في فحواه وكينونته. هناك قضية فلسطينية هي قضية العرب المركزية كما يحلو للباحثين توصيفها في الأدبيات السياسية المعاصرة، مبنية على أحقية الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وهذا ليس فقط بناء على توصيف الفلسطينيين أو معظمهم ولكن أيضاً هذه رؤية عربية تم التعبير عنها في المبادرة العربية التي تبناها وصاغها المغفور له بإذن الله الملك عبدالله بن عبدالعزيز، بل إن هذه هي رؤية المجتمع الدولي وفق للقرار 242 و338 وغيرها من القرارات الدولية. ولكن في الوقت الذي طرحت فيه هذه المبادرة كان رئيس الوزراء الراحل أرئيل شارون يجتاح بقواته الضفة الغربية ورغم اختلاف الحكومات الإسرائيلية اللاحقة يميناً ويساراً ولكنها بقيت مجمعة على تجاهل القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، واعتبرت تلك الحكومات أن الوضع الراهن هو الوضع الدائم، وأن أكثر ما يمكن أن يطمح إليه الشعب الفلسطيني هو تخفيف الإجراءات القمعية التي ينتهجها الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية وتخفيف الحصار عن قطاع غزة. الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، بل وحتى الولايات المتحدة الأمريكية الداعم الأكبر لإسرائيل الكل مجمع على حل الدولتين، بحيث يتم تأسيس دولة فلسطينية قابلة للحياة، ولكن الطبقة السياسية الإسرائيلية استخفت بكل تلك الطروحات الدولية وسخرت منها واعتمدت مقولة (ما لا يتم بالقوة، يتم بمزيد من القوة والعنف)، هذه الرؤية انتقلت إلى الناخب الإسرائيلي الذي بات يرى أن الحكومات المتطرفة هي القادرة على تحقيق الأمن، وإذا فشلت فالحل بحكومات أكثر تطرفاً حتى وصلنا في نهاية المطاف إلى الحكومة الحالية التي توصف حتى من قبل الإسرائيليين بأنها الحكومة الأكثر تطرفاً في تاريخ الدولة العبرية. على الطرف الآخر الفلسطيني ومنذ اتفاقات أوسلو حكمت الطبقة السياسية رؤيتين؛ الأولى التي ترى أن تحقيق مطالب الشعب الفلسطيني بإقامة دولته يتم من خلال المفاوضات وأن الرهان على الوعود الدولية سوف يؤدي إلى إنجاز الحلم، وأن السلطة الوطنية الفلسطينية هي الأساس التي سوف يبنى عليه حلم الدولة، أما الرؤية الثانية فهي تلك التي تبنتها الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها حماس، التي ترى أن لا بديل عن الكفاح المسلح ومقاومة الاحتلال بالسلاح وبكل الوسائل الممكنة. مياه كثيرة جرت تحت الجسر كما يقال، ولكنها في المجمل أدت إلى عمل إسرائيل الدؤوب لإضعاف السلطة الوطنية الفلسطينية وتهميشها، وهذا أدى بقصد أو دون قصد إلى تقوية الفصائل وجعلتها البديل الأكثر جاذبية خصوصاً مع انغلاق الأفق السياسي ووصول اليمين المتطرف الإسرائيلي للحكم. إذاً، في نهاية المطاف إسرائيل تحصد نتاج سياسة لطالما حذرت منها الدول العربية، فاستخدام منطق القوة لن يؤدي سوى إلى النتيجة التي نراها ماثلة أمام عيوننا في غزة وغلافها.
بالرغم من غريزة الانتقام وقعقعة السلاح ولكن لا بديل عن صوت العقل، بالعودة إلى الخطوط الأساسية في المبادرة العربية التي قادتها المملكة العربية السعودية باستعادة حقوق الشعب الفلسطيني، التي وحدها الكفيلة بإرساء سلام حقيقي يخرج المنطقة برمتها من صراع جر الدماء والدموع على شعوب هذه المنطقة على مدى عقود طويلة.