في مساء هادئ كعادتي؛ كنت أجلس مع والدتي، حفظها الله، وهي الحنون الزاهية روحها بحضورنا.. حين رن صوت الهاتف الزاهي باتصال من خالي؛ بدأ صوت «أمي» يشمخ فرحاً باتصاله.. تابعت ملامح وجهها المشرق بالابتسامة ترتسم عليه.. كان الحديث من نوع خاص ولم يكن اتصالاً عابراً؛ حديث يعبر الزمن ليتنقل بين ذكريات جميلة تشع بالحنين وأحداث ماضية نسترجعها برضا وحمد على النعم التي تحيط بنا اليوم.. كنت أراقب تلك المحادثة وأشعر كيف كان أسلوبه السلس المفعم بالود والحكايات الجميلة يمنحها شعوراً عميقاً بالراحة والسعادة.. كان يروي لها القصص بطريقة تشد الانتباه، ويختار كلماته بعناية كمن ينسج خيوط دفء في قلب الحديث.. لم يكن الحديث عن الماضي فحسب، بل كان مزيجاً بين استرجاع الذكريات التي تجمعهما وبين الامتنان العميق لما بين أيديهما الآن.. في تلك اللحظة، شعرت بمعنى جديد لصلة الرحم.. إنها ليست مجرد واجب ديني أو اجتماعي، إنما حكاية ود وحب تُنسج بمكالمة هاتفية، وابتسامة تُزرع في قلوب الأهل.. أدركت كيف يمكن لاتصال بسيط أن يملأ الوقت، يسعد الروح، ويخفف عن النفس أثقال الحياة اليومية.
ما أجمل أن تكون صلة الرحم مليئة بهذه الروح الحنونة! إنها تجدد القلوب وتجعل الأوقات أبسط وأجمل، كأنها رسالة غير معلنة تقول: «أنا هنا لأشاركك لحظاتك وأضيف لروحك راحة وسروراً».
فلنحرص جميعاً على أن تكون مكالماتنا ولقاءاتنا مع أحبابنا من هذا النوع؛ حديث من القلب للقلب، يمسح الغبار عن الذكريات الجميلة، ويُضيء الحاضر بنور الامتنان.