ومنذ أيام رحلت عن دنيانا رائدة الفن التشكيلي في السعودية صفية بن زقر بعد عمر ثري مليء بالنجاح والتميز والعطاء، حفرت اسمها في دفاتر التاريخ لتكون مكانة في بلادها شبيهة بمكانة ليوناردو دي فينشي في إيطاليا أو بابلو بيكاسو في إسبانيا أو فينسينت فان جوخ في هولندا.
كانت لوحات صفية بن زقر تنقل صوراً شديدة الواقعية عن مجتمعها وثقافته أشبه بلوحات المستشرقين الأوروبيين خلال جولات اكتشافهم لحضارات الشرق الأوسط في القرن القبل الماضي، وبلغة اليوم وحتى يفهم جيل هذه الأيام تأثير لوحاتها من الممكن تشبيه لوحات الراحلة بصور «الواتساب» ولقطات «الانستغرام» ومقاطع «السناب تشات».
لوحات وثقت فيها عادات وتقاليد، أزياء وتصميم منازل، هوايات وألعاب، نالت بعضها شهرة عالمية كبيرة، ولعل أشهرها لوحة رسمتها الراحلة لسيدة ترتدي الزي النسائي الحجازي المعروف باسم «الزبون» وانتشرت هذه اللوحة انتشاراً عريضاً وكتبت عنها مقالات عدة بلغات عالمية عديدة ومختلفة حتى نالت من شهرتها لقب «موناليزا الحجاز».
وسعت صفية بن زقر لتكريس أهمية الفن التشكيلي في مجتمعها فأنشأت دارة صفية بن زقر؛ لتكون مركزاً للتعلم والتدريس وصقل المواهب وعرض الإبداعات الناتجة، ونجحت في ذلك نجاحاً كبيراً جعلت من المكان مركزاً مهماً في مجاله نال الثناء والاحترام والتقدير من المهتمين.
وفي العام 2017 كُرِّمَتْ صفية بن زقر من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، الذي منحها وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى، وهو أعلى وأهم الأوسمة التي تمنح في السعودية، تقديراً لمسيرتها وعطائها ومساهماتها المميزة في مجال الثقافة السعودية.
درست صفية بن زقر في محطات مختلفة في مسيرتها ما بين مصر وإنجلترا، وعندما عادت إلى بلادها أعادت اكتشاف مناطقها المختلفة فاطلقت ريشتها؛ لترسم أهم الملامح الاجتماعية فيه مما كوّن لها سمعة مهمة لفنانة مبدعة، وبدأت معارضها تحظى بالاهتمام والثناء، ووجِّهت لها الدعوات للمشاركة في الكثير من المناسبات والمعارض العالمية المختلفة التي تم تكريمها في الكثير منها. عرف عن الراحلة التواضع الكبير وإنكار الذات مما أضاف بُعداً جذّاباً احترمه كل من عرفها بسببه. رحم الله صفية بن زقر رحمة واسعة، وأسكنها فسيح جناته، فلقد تركت إرثاً عظيماً من النجاح والتميز، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.