أحب الشيخ صالح المغامسي كواعظ (وهي درجة أعلى من عالم)، حاول ويحاول العمل على اتساع رؤيته الفقهية، وله مسلك محبب للناس، ومحباً لهم.. وحين ذكر أن رجاءه أن يُنشئ الله على يديه مذهبًاً إسلامياً فقهياً جديداً، فله الحق الكامل في رجائه، كونه دخل من باب الرجاء، فكل مسلم تتخامر في باله عدة رجاءات، وإن كانت هناك ملاحظة يمكن القول إن رجاء الشيخ صالح ظل محصوراً في زاوية ضيقة، كون المذهب الخامس الذي يرجو نشوءه على يديه لن يضيف شيئاً، فهو العالم العارف أن المذاهب السنية وغيرها تعددت ولم تتمايز كثيراً، ولم تحل المستحدث من قضايا، وإذا أردنا إحصاء المذاهب سنجد أنها تجاوزت الخمسين مذهباً، انقرض جلها لأسباب عديدة، كما أن رجاء الشيخ المغامسي إنشاء مذهب خامس سني لم تصاحبه رغبة في تجميع المذاهب المختلفة في مذهب يكون حاوياً، بحيث يجمع ما لم يجمع من قبل المذاهب المتنافرة من أجل تخليص الأمة من الشقاق والاختلافات المذهبية، وإنما ظل رجاؤه داخل دائرة (أهل السنة والجماعة)، ولهذا سيكون مذهبه الخامس ما هو إلا إعادة صب الماء في الماء (قاعدة النافورة).
وتمنيت أن يكون رجاؤه شاملاً، بحيث يجمع طوائف ومذاهب المسلمين في مذهب واحد، أو بالأحرى أن يكون المذهب الجديد حاوياً لما سبق، أو يكون مذهباً لاغياً للمذهبية أصلاً، متخذاً من قاعدة (قل آمنت بالله ثم استقم) نبراساً أوحد، بحيث يعود الإسلام كما كان بلا مذهبية تذكر، كما كان عليه عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين.
وأعتقد أن أي مذهب تجديدي للأمة الإسلامية يستوجب أن يكون مذهباً متسع النظرة، بحيث يمكن للأمة أن تعيش المستقبل من غير حكم المرتد أو الناسخ، والمنسوخ، أو فرض جهاد الطلب، أو أو أو …، وأن يتجاسر – المذهب الجديد – على الوقوف ضد الأحاديث ذات المتن غير المطابق لكتاب الله أو كان متناقضاً مع العقل والعلم على حد سواء، وأن يكون المذهب الجديد أيضاً له أسس تتناسب مع حركيّة الحياة، بحيث تكون انطلاقة التجديد تجديداً فاحصاً وباحثاً ومصوباً أو لاغياً لكل ما لا يستقيم مع آيات الله، وتكون المراجعة دقيقة لبداية عصر تدوين الأحاديث والسيرة، ونشوء واستمرار المذاهب الأربعة مع أو ضد ما قالوه، أي أن تكون هناك مراجعة لكل ما قيل من 1200، كفترة زمنية سجلت ودونت أموراً كثيرة (أحاديث وسيرة) كتبت بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بـ200 سنة.
وهذه ملاحظة مبتسرة لما يمكن لأي مذهب جديد القيام به.
وعودة إلى رجاء الشيخ صالح، فما يرجوه يستوجب التبحر في العلوم المختلفة، والإتيان بما لم يأت به الأوائل من أحكام واستنباطات تتواءم مع قاعدة (الإسلام صالح لكل مكان وزمان).. فالمذاهب الإسلامية الخمسون أو الثمانية أو الأربعة عجزت عن أن تحيط بقضايا تناثرت ونمت مع تقدم الزمن، كما عجزت عما نحن فيه من مستجدات اجتماعية وعلمية، فالقياس الذي وضعه الإمام الشافعي وجعله مصدراً من مصادر الإسلام لم يستطع القياس بصورة وافية أو كاملة، فهناك قضايا تمددت، وأخرى استحدثت، كما أن المصدر الرابع من مصادر الإسلام التي وضعها الإمام الشافعي (إجماع علماء الأمة) يمكن تهاوي هذا الشرط، فلم يعد هناك إجماع لعلماء الأمة لاختلاف المذاهب وكذلك نشوء الآراء المستحدثة… كما أن قضية إغلاق باب الاجتهاد تم فتحها من خلال آراء حديثة اعتبرت أن إغلاق باب الاجتهاد جلب كوارث فقهية منذ زمن إغلاق الاجتهاد، فهل يأتي المذهب الجديد قابلاً لتلك الآراء مع الاختلافات الجوهرية بينها وبين الإرث الفقهي وإرث السيرة، كمثالين رئيسين؟
ومن ناحية أخرى، يعلم شيخنا الحبيب المغامسي أن أصحاب المذاهب (الخمسين)، لم يدع أي منهم أنه سيقيم مذهباً، فقد جرت العادة أن العالم يقول آراءه ويدرسها في زمن وجوده على قيد الحياة، وفي ما يلي من أزمان تصبح آراؤه صائبة لدى مجاميع من الناس فتصبح تلك الآراء متبعة، ويقتدي بها بعض الناس، وهكذا ينشأ المذهب، وليس فيهم من قال إني جلبت مذهباً جديداً، أو ظن أثناء حياته أنه سوف يأتي بمذهب جديد.
وبالنسبة لي أرى أن ثمة آراء فقهية قيلت في الوقت الراهن، ومن خلال الناس الذين آمنوا بتلك الآراء والأفكار المستحدثة سوف تصبح أفكار أصحابها، واستنباطاتهم مذاهب تسمى بأصحابها، يمكن ذلك، وإن كنت أؤمن الآن بالمؤسسات العلمية الضخمة في أن تكون هي صانعة المذهب الشامل المتجدد المتحرك مع صيرورة الزمن، وبحيث يكون شاملاً في نظرته لأصح الصحيح، وهذا يعني أن المؤسسة العلمية الضخمة تكون قادرة على إعادة تخليص الأحاديث من ضعيفها وآحادها، وتنقية السيرة من الأكاذيب التي لحقت بها.
أكاد أجزم القول: إن المذهب الجديد لن يخرج من شخص واحد مهما أعطي من علم، بل المذهب القادم سوف يكون ممثلاً في مؤسسة علمية تجمع عشرات العلماء في كل الحقول المعرفية جميعها، فيكون نتاج هذه المؤسسة مذهباً جديداً تم فيه تحري الدقة والصحة في ومن كل شيء.