أخرج رأسه كمن يتقي معابر البلجيك، ونظر إليها وهي طرف الملّة تهف على الجمر بطرف الثوب، فبدع (سلام يا اللي تنفخ النار باسفل ثوبها) فعلّقت: ما يصبح يقصّد إلا خاطر منشرح، فردّ عليها: ما يشرح الخاطر إلا نهار دافي، ووجه صافي، وكمر متعافي، فسألته: وأنت ما معك منها شيء؟ قال: معنا ومعك الله، وين النهار الدافي، والرابضة مختختة إلى رأس العابر.
أزاح الكسا ونهض مردداً، أحوووه، وطلب منها تعطيه ثوبه، وتلمح له شراب يدس أقدامه اللي كما البردة فيه، قالت: كيف تحط ثوبك وأنت في حاجة ما تغطي به على جسمك؟ فقال: القذان سرت عليّه لو ما حطيته تعترشتني! قالت وهي تضحك: أكيد لقيت لها مرعى! فقال: مرعى ما حوله حامي يصبح دامي.
خرج متلثّماً، فوق الجناح، تلفّت، وقال: يا الله تاهب لنا مخراج ومدراج من هذا اليوم اللي كما جبهة (كفيح المدروخ)، سمعه جاره كفيح، فقال: إما انته باسم الله على جبهتك اللي كما (كوّة سليح المجاجاة)، فنظر شميح للسماء، وقال: جاني المخراج والمدراج ما اسرع ما استجاب ربي دعوتي في هذا اليوم المبروك.
مدّ كفيح هراوته التي يُطلق عليها (حكومة) من الشباك، وقال: طلاقي من ظهرك يا لُعثه، لو ما تتشفق ونعم، لتروى (حكومة) من دمك. عرف أنه قول وفعل، الأولة والثانية والثالثة هراوة! فقال: يا رفيقي زلة لسان، وابشر بحرف من خبزة وفنجال قشر، ردّ عليه: حليلك يا ضعيف الإرادة، قهوتني وفطّرتني مرتك بنت الأجواد.
عوّد على وراه، ونشدها، الفرخ يقول قهويتيه وفطرتيه؟ قالت: ما للجار إلا جاره، فعلّق: أقديتِ بيّض الله وجهك، وأضاف: عساك هبيتي له بلالة من السمن، فقالت: لا توصّي حريص، فقال: قدرتكن على الله، يا مدنسات العمايم، فعلّقت: ما شفنا منه إلا كل خير، قال: صادقة، خليه يشاركني في لقمتي وجغمتي ومرقدي، تراه كما آخي، ولا بيرزانا بشيء، كمن ربي يرزقك ربي منه بواحد خشمه مفلطح.
طلب منها تصحي ولدها الكبير، يخرج الغنم، لين يجففون لها، قالت: انخفعت ايده، وهو يلعب مصاكيع، علّق: الجمل يكرع من إذنه، ثم قال: هيا اندري جففي لها، وأنا باخرجها، وهو نادر من الدرجة، قام يهرج نفسه، أعقبي يا هذي المرة، ما عذّرت عليّه أفك ريقي؟ بغى يشكك في عفّتها، ثم وضع سبابته على طرف لسانه، ومصها ومسح بها رقبته، وقال: أبرأ لله.
انفكت الغنم فوق الخروع والطباق، وتناست البهم اللي يهذّي لها من المراح، وهو معتنز بقامته على عصاة عتم طويلة، وإذا بالعريفة يصوّت عليه، تقهو يا ولد، فردّ: إي والله باتقهوى، ولم يتمالك نفسه وهو يشرح للعريفة، فبكى وقال: ملّت حلقي بالسفان، وهمها ليل الله ونهاره من جارنا الأحوس (كفيح)، فهدى روعه وطيّب خاطره، وقال: معرقها طيّب وأمها من بيت ساس، وقومانية، وصاحب الحاجة يدنق برأسه.
فقال: يا عريفة، جارنا ما يروح من البداية، إن جيت أتقابح معه بيشرهون الجماعة عليّه، وبيقولون تاهب عقلك بعقل المدروّخ، وإن جيت أخصره بيحسبها ضعافة مني؟ وأضاف: ما قهرني منعول الجدف إلا إذا شغل الرادي على الغناوي، وقام يتمايل ويطق اصبع، وهي تتورعن قدامه، فوضع العريفة كفه على فمه، وقال: دخيلك لا تكمّل، كل النسوان متعلقات فيه الأمحق هذا، يتصيبى ويتكحل ويحتزم بالجنبية ويتدرج في الوديان والخلجان، ولا معي دبرة كيف نتخارج منه؟
سمع ردّ العريفة ملشلش، فسأله: يا عريفة، لا يكون الرجال له فضل عليك؟ فأقسم ما يعرف منه إلا التُنباك رأس الدور، فهزّ رأسه، وطلب منه يدعي الفقيه، يمكن يشوف لهم مكيدة من مكايده، وما أمداهم يشربون الدلّة، إلا والفقيه مقبل عليهم بقرص مجرفة وصحن تمر، أعطوه علمهم، وقال: نقحمه في (سِفلنا المسكون)، سألوه: كيف؟ فأجاب: بارسل المرة والعيال تزور أهلها، ونعزمه، ليلة الجمعة عندي، وإذا تناصف الليل ورقدت القرية، نقوم نتطارح، وأنتم إذا شفتموني شلته وخبطت به، أسحبوه معي للحدّة، وننكته من الثُغرة، ونتربس عليه بالحصى وعساه ينحشر مكانه، تواعدوا، وبدأت المطارحة في الغُدرة، وأصبح الناس على رضا الله ومغفرته، توافدوا على المسيد، و(كفيح) أولهم بالمشلح والكحلة والمسواك، وقعدوا في حرى الفقيه، يمكن يبدي، ودخل العصر عليهم وهم يتلفتون.