وبكل صراحة ووضوح قال وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس بعد توغل الجيش الإسرائيلي في القنيطرة: «إن تل أبيب لن تسمح لكيان إرهابي بالعمل ضد إسرائيل من وراء حدودها، محذراً من أن تسير على خطى بشار الأسد بملاقاة نفس المصير».
وفي الوقت الذي كان وزير الدفاع الإسرائيلي يرسم شكل العلاقة مع المرحلة القادمة في سورية وفق التصريحات السابقة، كان أحمد الشرع القائد العام للعمليات العسكرية يقول على قناة (سكاي نيوز البريطانية): «إن الشعب السوري (منهك) جراء أعوام النزاع، وإن البلاد لن تشهد حرباً أخرى».
وبعد يوم واحد فقط من تصريحات الشرع لقناة (سكاي نيوز) أن سورية والشعب السوري لن يدخلوا في حرب أخرى في رسالة إقليمية وداخلية، أعلنت إدارة العمليات العسكرية أنها تقوم بحل قوات الأمن التابعة للنظام السوري السابق وإغلاق السجون سيئة الصيت؛ ما يعني أن الشرع يتجه إلى نهج مغاير لنهج الأسد القمعي الذي كان يعتمد على القبضة الأمنية.
الحقيقة أن الجدل ما زال قائماً حول ماذا يريد الشرع من سورية، وما هو المتوقع منه في شكل الدولة السورية على المستوى الأمني والعسكري، وكيف سيكون التعامل مع الجيش والأمن؟، وليس سراً أن العالم كله الآن يراقب سلوك الشرع في كل الاتجاهات بما في ذلك الحفاظ على الأقليات، وعلى الأرجح يدرك الشرع الآن أكثر من أي وقت مضى أنه في دمشق وليس إدلب، لذا فإن أول خطوة على المستوى الخارجي أن القيادة العسكرية اجتمعت مع سفراء الأردن ومصر وإيطاليا لشرح التوجه العام لهذه المرحلة، وهي رسالة للعالم الخارجي أن سورية ستكون منفتحة على الجميع وليست على الصورة التي يريد البعض ترويجها من أن جماعات جهادية وصلت إلى الحكم ومن شأنها أن تحول سورية إلى أفغانستان جديدة.
وإذا ما أردنا مقاربة سياسة الشرع تجاه إسرائيل يمكن مقاربتها من زاويتين؛ الأولى أولويات المرحلة القادمة أو يمكن القول تثبيت (الشرعية)، وهذا يتطلب التركيز على مسألتين أساسيتين؛ الأولى إشراك القوى السياسية السورية وكل الأطراف السورية بالحكم على أساس الدور والتمثيل، قبل البدء بعملية تعديل أو صياغة دستور، ذلك أن مثل هذا الإجراء يتطلب حسن نوايا تجاه الكثير من القوى السياسية السورية، أما الأمر الثاني وهو الاستقرار الاقتصادي وتوفير الاحتياجات اليومية للسوريين بعد سنوات من التدهور والانهيار الاقتصادي وهذا يعود بالشرع إلى مربع الأمن والاستتقرار لكل المناطق السورية، إذ لا يخفي الاتحاد الأوروبي أن رفع العقوبات عن سورية مرتبط بالإجراءات العملية على أرض الواقع من تحقيق التعايش وتمثيل كل السوريين.
أما الزاوية الثانية، فهي تصفير المشاكل مع الجوار، وتحويل سورية من بلد يصدر المشاكل وزعزعة الاستقرار الإقليمي إلى بلد مساهم ومشارك في الأمن الإقليمي، وهنا تدخل إسرائيل على الخط في مسألة تصفير المشاكل واختبار قدرة الشرع في السيطرة على الكثير من القوى العسكرية غير المنظمة في المرحلة الحالية، وفي الواقع تكمن مصلحة الشرع اليوم في تحويل سورية إلى ساحة هادئة وآمنة ومطمئنة للجوار وبالدرجة الأولى نحو العراق؛ الذي يترقب ويراقب بدقة كل التطورات على الأراضي السورية، بحكم طبيعة العلاقة التاريخية والجيوسياسية بين البلدين، ولعل استقرار العلاقة مع العراق تمنح سورية الجديدة فرصة ذهبية للاستقرار الاقتصادي بحكم حجم التجارة بين البلدين، وقدرة العراق على دعم سورية على المستوى الاقتصادي بما يخدم الطرفين، وهذا ما يجب أن تعمل عليه الحكومة الجديدة في سورية، وبطبيعة الحال الأردن الذي يتخوف هو الآخر من وجود حكم بصيغة إسلامية في سورية والذي يجب أن يتم التنسيق معه على كل المستويات.
وبالعودة إلى مسألة إسرائيل واستهدافها المكرر لمواقع سورية حساسة، فإنها تشكل إحراجاً للحكم الجديد، واختبار نوايا في الوقت ذاته ووضع قواعد جديدة منذ البداية، وخلال يومين فقط نفذت إسرائيل أكثر من 300 ضربة عسكرية على الأراضي السورية، ما يشكل عامل ضغط على الشرع في هذه المرحلة التي يحاول أن يكسب فيها الشرعية السورية.
وعلى الرغم من أن هناك تلاقي مصالح بين إسرائيل والقيادة السورية الجديدة التي تتمثل في إنهاء الوجود المليشياوي في سورية، والذي كان أولوية الشرع في أول ظهور له بعد دخول دمشق، وصرح بها بشكل علني إلا أن إسرائيل لن تكتفي بهذا النوع من التصريحات وسوف تستمر في استهداف المواقع السورية.
ولكن في الوقت نفسه، فإن تمادي إسرائيل في الضربات والتوغل داخل الأراضي السورية من شأنه أن يفتح الفوضى مجدداً في سورية، لذلك على إسرائيل أيضاً أن تعي أن زيادة الضغط على سورية يولد الانفجار، فسورية اليوم التي ارتكزت على مبدأ الحرية والثورة ليست سورية بشار الأسد التي كانت ترتكز على سياسة (صيدنايا) وإغلاق كل الأفواه، ولا أعتقد أن الشرع الآن في وارد أية مواجهة حتى على المستوى المحلي، فكيف ضد إسرائيل التي تمادت بقواتها العسكرية في غزة ولبنان وفي مناطق أخرى، ومن هنا يمكن صياغة الأمن الإقليمي والعمل على تخليص سورية من الإرث المشاغب والتخريبي الذي ظل على مدى خمسة عقود من الزمن دون جدوى.