صباح يوم أمس ذكرت صحيفة النيويورك تايمز أن إيران «بدأت في إجلاء قادتها العسكريين وأفرادها من سوريا، وفقاً لمسؤولين إقليميين وإيرانيين، في إشارة على عدم قدرة إيران على المساعدة في إبقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة بينما يواجه هجوماً متعاظماً من المعارضة المسلحة»، وفي التوقيت نفسه قال مصدر دبلوماسي روسي لصحيفة الشرق الأوسط في خبر نشرته في عدد يوم أمس إن روسيا لن تتدخل عسكرياً بشكل واسع في سوريا برغم التطورات المتسارعة. ورداً على سؤال حول ما هي الخطوط الحمراء التي يدفع تجاوزها لتدخل روسي كبير، قال الدبلوماسي إنه «لا خطوط حمراء لدينا»، متوقعاً أن تسيطر الفصائل على حمص، وتتقدم نحو دمشق.
هذان الخبران يشيران إلى أن النظام السوري فقد الداعمَين الرئيسيين الأساسيين له، الموقف الإيراني تغير بسرعة مفاجئة رغم إعلانه سابقاً أنه سيرسل دعماً عسكرياً إضافياً للنظام، وروسيا تصرفت بشكل يشير إلى أنها سحبت غطاءها عنه، ولن تقدم أي شكل من الدعم حتى لو كان سياسياً. وعندما نضيف إلى ذلك الموقف التركي الذي تمثّل في تصريح يتمنى وصول الفصائل المسلحة المعارضة إلى دمشق دون مشاكل، ومع العلم بالتنسيق الروسي التركي بشأن أوضاع سوريا، يتضح حجم مأزق النظام وصعوبته.
سوريا دولة عربية كبيرة ومهمةٌ جيوسياسياً واستراتيجياً في المنطقة، تعاني مشاكل مستمرة منذ موجة الثورات عام 2011، تمكن نظامها من المقاومة والاستمرار، لكن ليس انطلاقاً من قوة ذاتية وإنما بشكل أساسي نتيجة الدعم الإيراني الروسي، لكن متغيرات السياسة أعادت ترتيب أولويات وأهميات البلدين، روسيا منذ دخولها الحرب مع أوكرانيا، وإيران بعد حرب أكتوبر 2023، وبالتأكيد فإن أمريكا ليست غائبة عن ترتيبات هذه المتغيرات في الساحة السورية حتى وإن لم تعلن موقفاً واضحاً ومباشراً إزاءها.
إذا استمر تقدم الفصائل المسلحة المعارضة بهذا الإيقاع والسرعة فليس هناك ما يحول بينها وبين العاصمة دمشق، وعندما يحدث ذلك فإننا أمام واقع جديد سيكون في غاية الاضطراب لفترة طويلة، وليس بالمثالية التي تحدث بها زعيم الفصائل المسلحة، أبو محمد الجولاني أو أحمد الشرع لقناة CNN مساء الخميس. سيكون الوضع حرجاً في سوريا، وستبدأ أزمة جديدة تضاف إلى ملف الأزمات العربية. التغيير لن يكون سهلاً، ولا نملك سوى الدعاء للشعب السوري بأن لا تطول محنته.