ليس كل ما يُعلن صحيحاً
راشد المري يقول: ليس من المعقول أن تقضي وسائل التواصل الاجتماعي، على مبادئنا وأخلاقنا، فالحياة الأسرية أسرار والحياة العملية كذلك أسرار، وبالتالي فإن إفشاءها والتحدث بها علناً عند الغير في المجالس أو حتى عبر التواصل الاجتماعي أمر غير جيد يجب أن يعي الفرد مسؤولياته في كل مكان يكون شريكاً فيه، والأمانة في حفظ السر من الأمور المهمة التي يجب على الجميع التحلي بها، وكما قيل ليس كل ما يعرف يقال، فهناك أمور وأحداث يجب أن تبقى سراً.
أما عبدالله أحمد فيقول: لقد اعتدنا في مجالسنا واجتماعاتنا أن نسمع كل شيء؛ سواء عن طريق من نلتقي بهم أو عبر منصات التواصل التي لم تدع شيئاً من الأسرار، وهو أمر في غاية الخطورة بصراحة، ويجب من الجميع التصدي له، وعدم الانسياق خلف كل ما يذكر وليس كل ما يذكر ويعلن وينشر -أصلاً- صحيحاً، فالبعض شائعات أو لأهداف أخرى غير معلنة، وبالتالي فإن التحري في مثل هذه الأمور مهم.
رغبة في الانتقام
الأخصائي الاجتماعي عايض الشهراني، يرى أن إفشاء الأسرار مشكلة اجتماعية تحدث عندما يتم نشر أو كشف معلومات سرية أو خاصة دون إذن من الشخص المعني؛ فقد تكون الأسباب وراء هذه الظاهرة متعددة ومتنوعة، ومن بين الأسباب الشائعة لإفشاء الأسرار التي يمكن ذكرها عدم وعي الأشخاص بأهمية الخصوصية، وقد يكون لدى بعض الأشخاص فهم ضعيف لأهمية الحفاظ على الخصوصية وعواقب إفشاء الأسرار، والرغبة في الانتقام أو الإيذاء، إذ يقوم الأشخاص بإفشاء الأسرار كوسيلة للانتقام من الشخص المعني أو لإيذائه عاطفياً أو اجتماعياً، وقد يكون للفضول دور في إفشاء الأسرار، إذ يكون الشخص متحمساً لمعرفة المزيد من المعلومات وينشرها دون تفكير في العواقب، قد تنتشر الأسرار بسبب ضعف السيطرة على المعلومات في بعض الأماكن أو المنظمات؛ مثل التسريبات أو اختراقات البيانات.
وعن الحلول يرى الشهراني، أنه يجب توعية الناس بأهمية الخصوصية، والتأكيد على ضرورة احترامها وتعزيز السلوك الأخلاقي والقيم الأخلاقية مثل الصدق والثقة والاحترام في المجتمع، وذلك لتقليل حالات إفشاء الأسرار، كما ينبغي وضع قوانين صارمة تنظّم حماية الخصوصية ومعاقبة المسؤولين عن إفشاء الأسرار دون إذن، وتشجيع بناء ثقة قوية بين الأفراد وتعزيز ثقافة السرية وعدم إفشاء المعلومات السرية، وتحسين الأمان الرقمي وحماية البيانات الشخصية للحد من حالات اختراق البيانات وتسريبها، ومع تبني هذه الحلول والوعي المشترك، يمكن الحد من ظاهرة إفشاء الأسرار والحفاظ على الخصوصية.
خيانة عظمى
الخبير التربوي سفر الزهراني، يصف إفشاء السر بأنه صفة ذميمة؛ وهي شعبة من شعبة النميمة، تنكرها كل الملل والنِحل، ويستنكرها كل مجتمع ويحذر منها كل عاقل، وإفشاء السر مراتب؛ أقلها إفشاء الشخص سر من استأمنه على موقف أو كلام، وحين يفشي الشخص الحديث فقد خان المفشي الأمانة، والخيانة مذمومة في كل الأعراف والأديان والمذاهب، أذاعوا به؛ أي أفشوا السر، كما عند عدد من المفسرين، ويلي ذلك إفشاء ما بين الزوجين من أسرار، وقد حرمها الشرع لما لها من إفساد الأسرة وتشتتها، وأعظم مرتبة من مراتب إفشاء الأسرار إفشاء أسرار الدولة، التي تؤدي إلى تدمير بلد بكامله، وهذا الإفشاء يدخل في الخيانة العظمى التي تحاربها الشرائع والقوانين ويحرمها الشرع وتجرمها كل الدساتير، وتربوياً يجب على من يخط المناهج ويضع المقررات أن يجعل موضوع «إفشاء السر» ضمن القيم التي يناقشها ويتربى الطلاب على تجنبها، كما يجب على الموجهين الطلابيين إقامة الندوات والحوارات التي ترغِّب في الأمانة، وتحث على حفظ السر، وتجرِّم وتشنِّع صفة إفشاء الأسرار حتى يتعود طلابنا على حفظ الأمانة وعلى كُره إفشاء السر، كما يجب على الأبوين غرس قيمة حفظ الأمانة وتبشيع إفشاء السر بين الأبناء والبنات.
الإفشاء أنواع
المحامي خالد هويدي الرشيدي، يؤكد أن إفشاء الأسرار معصية وكبيرة، وخيانة للأمانة من ناحية الشرع، ومن ناحية نظامية يترتب جزاءً على مرتكبها تتفاوت الجزاءات تبعاً لنوع السر الذي تم إفشاؤه؛ ففي حال كانت الأسرار التي تم إفشاؤها تتعلق بالعمل فإن لصاحب العمل بعد التحقيق وإثبات المخالفة فصل العامل الذي أفشى أسرار عمله من دون تعويض بموجب الفقرة (9) من المادة الـ80 من نظام العمل، وفي حال كان مرتكب المخالفة موظفاً حكومياً فإن ذلك يدخله ضمن الإخلال الموجب للمساءلة الجنائية، وأكثر الأسرار خطورة ما يمس الأمن العام وأسرار الدولة، وفي حالة الأعمال التجارية يتفق بعض التجار اتفاقاً مكتوباً أو غير مكتوب على عدم الإفصاح عن بعض أعمالهم التجارية، وفي حال إخلال أحد أطراف الاتفاق بالتزامه فإن للمتضرر منهم الحق في المطالبة بالتعويض بشقيه المادي والمعنوي تبعاً لما نص عليه نظام المعاملات المدنية بشأنه، وأخطر أنواع إفشاء الأسرار المتعلقة بأحد الزوجين وللطرف المتضرر التقدم لمحكمة الأحوال الشخصية وإثبات ما لحقه من ضرر وله حق المطالبة بفسخ النكاح، وهناك الأسرار بصورتها العامة التي تكون بين بعض الأصدقاء والأهل والجيران وضرر إفشائها لا يقل عما سبقها ويمكن بعضها يتجاوزها في جسامته، ومن المهم بيان أن الأسرار لا يودعها أي شخص (معنوي أو طبيعي) إلا لمن هو مقرب منه بحكم الدم أو الصداقة أو السكن أو العمل وغيره، وللمتضرر من إفشاء السر في جميع الأحوال سالفة البيان حق المقاضاة، والمطالبة إما بتعزير المتسبب في الضرر وإما المطالبة بالتعويض بنسبة الضرر الذي لحقه؛ سواء كان مادياً أو معنوياً، ويخضع التعويض لتقدير المحكمة المختصة، وحق المطالبة بالتعويض عن الضرر المعنوي من البشريات التي حملها نظام المعاملات المدنية في فصله الثالث لكل متضرر، ونوصي بالانتباه لها والتذكير بأن هذا النظام دخل حيز التنفيذ.
يوم مفتوح للصراحة
الخبير في التطوير أحمد الطليحان، يوضح أن إفشاء الأسرار هو عملية نقل المعلومات الخاصة دون إذن أو موافقة من الشخص أو المنظمة؛ فهو -بلا شك- سلوك غير مرغوب يؤثر سلباً على العلاقات الشخصية بين أفراد المجتمع؛ سواء داخل الأسرة أو بين الأصدقاء، وكذلك يؤثر على الثقة والتعاون في بيئة العمل، ومن أسباب وجود هذا السلوك في بيئة العمل عدم التواصل المستمر بين القائد وفريق العمل. والرغبة في الانتقام لدى بعض الأفراد نتيجة لمشكلات شخصية مثل عدم الحصول على تقييم عادل أو الحصول على زيادة سنوية غير منصفة من وجهة نظر الموظف. وعن الحلول يقول الطليحان: الاجتماعات الدورية لعرض الإنجازات الشخصية لأعضاء الفريق والإجابة عن استفساراتهم مع أهمية تزويد الفريق بالأخبار الجديدة للمنظمة، والأهم تقدير الجهود والإنجازات الشخصية خلال الاجتماع ما يُسهم في تعزيز ولاء الفريق لمنظومة العمل، ومن بين الحلول العملية وجود ميثاق أخلاقيات العمل لتعزيز ترسيخ القيم والمبادئ الأخلاقية لمنظومة العمل، وكذلك الحماية من انتشار التصرفات التي تؤثر سلباً على نجاح العمل أو سمعة المنظمة مع أهمية إقرار الموظفين باطلاعهم على الميثاق وتحفيزهم بالالتزام به، وكذلك تعزيز التواصل وتقوية الروابط بين فريق العمل من خلال إقامة الفعاليات الاجتماعية مثل اليوم المفتوح.