في كتابه الرائع «من الجمل إلى الطائرة» يقول حمزة الدباغ (الذي كان أول مراقب جوي سعودي عام 1950م):
«عندما أجد نفسي فوق المحيط الأطلسي على متن إحدى طائرات البوينج 747 أتذكر المناسبة التي رافقت فيها أسرتي لأداء فريضة الحج على ظهور الجمال عندما كنت صغيراً، وفي عام 1984م كنت أشغل وظيفة ممثل المملكة لدى منظمة الطيران المدني الدولي بمونتريال وقمت بإجابة دعوة وجهتها الولايات المتحدة الأمريكية لرؤساء الطيران المدني في دول آسيوية وأفريقية، وفي نهاية الزيارة أقامت أكاديمية أوكلاهوما حفلاً للوفود وطُلِب مني الحديث عن الطيران في المملكة، حينها تذكرت في ثوانٍ قصة الحج على ظهور الإبل والتباين الكبير بين ركوبها وركوب الجامبو في سماء المحيط، فبدأت في إلقاء الضوء على التجربة التي ربما أكون الوحيد الذي خاضها بين الموجودين، وشاهدتُ ردود الفعل على وجوه الحاضرين وهم يستمعون لرواية النقلة الكبيرة التي حققناها في الانتقال من الوسائل البدائية إلى الطائرة دون التدرج باستخدام السيارات والقطارات».
حديث حمزة الدباغ -رحمه الله- تجلّى أمامي وأنا أشاهد على جانبي الطريق المتجه لمطار الملك خالد الدولي شاشات اللوحات الرقمية تعلن عن «مهرجان خادم الحرمين الشريفين للهجن» الذي يقام هذه الأيام في الجنادرية، حيث يجاور الميدان العريق مطار العاصمة منذ ما يزيد على نصف قرن، وكأن هذا الجوار بين ميدان الهجن ومدارج المطار يؤكد على رمزية هذه الثنائية عبر تاريخ الوطن ويعكس هوية الأرض ومسيرة إنسانها.
إن رمزية الجمل والطائرة تختصر المشهد، فالحضارة التي نبنيها الآن ليست مستنسخة أو وافدة، إنها حضارة قامت على عراقة تضرب أطنابها في أعماق التاريخ، فإنسان هذه الأرض سار على ثراها لإعمارها ثم طار في سمائها لمعانقة أقمارها.
جاء الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- من الكويت ومعه رجاله الأربعون على ظهور المطايا أو ما يسمى في لهجة البادية (الجيش)، واليوم تحظى رياضة الهجن برعاية كريمة، ويقوم الاتحاد السعودي للهجن بقيادة الأمير فهد بن جلوي (رئيس الاتحاد) بجهود متميزة في تنظيم مسابقاته في جميع المناطق، وعلى قائمة المنافسات مهرجان خادم الحرمين الشريفين للهجن بالجنادرية، ومهرجان سمو ولي العهد للهجن بالطائف، اللذان أصبحا عنواناً لفخامة التنظيم على مستوى العالم، ومقراً للإثارة الجميلة والتنافس الشريف.