إن مؤتمر السلام الذي عقد في السعودية يدل على مكانة السعودية كلاعب دولي مؤثر ومحايد ومقبول من جميع الأطراف المعنيين بالأزمة الأوكرانية، وعلى قدرة السعودية في الاضطلاع بدورها على الصعيد الإقليمي والإسلامي والعالمي، فالسعودية دون منازع محط أنظار العالم الإسلامي ومركز الطاقة العالمي الذي عجزت الولايات المتحدة الأمريكية عن إزاحتها عنه، ولا ننسى تصريحاً لبايدن أن مركز الطاقة في العالم لن يكون السعودية بحلول 2030. وأثبتت الأحداث عدم صحة هذا التصريح. واشنطن ترغب في الاستفادة من وضع السعودية كدولة تحظى بالاحترام من قبل دول العالم العدو قبل الصديق، لهذا رحبت واشنطن بانعقاد المؤتمر في السعودية.
إن جميع المؤشرات تظهر أن هناك حراكاً للسلام، فقد حققت الحرب الأوكرانية الأهداف التي سعت أمريكا لتحقيقها تكاد تكون قد تحقق بخلاف، هدف تدمير روسيا وإضعافها فقد نجحت من خلال هذه الحرب في فصل أوروبا عن روسيا المحيط الطبيعي الذي كانت تخشى أمريكا منه ومن التكامل الروسي الألماني. وقد تعددت أنواع الحراك نحو التسوية وظهر من خلال تصريحات المسؤولين، وقبل شهرين تصرح الكرملين، أنه لا توجد شروط مسبقة لانتقال الوضع في أوكرانيا إلى مسار سلمي، والأولوية المطلقة بالنسبة لروسيا هي تحقيق أهداف العملية الخاصة، وأن روسيا تقدر تقديراً عالياً جهود جميع البلدان التي تحاول إيجاد حل للنزاع في أوكرانيا في اتجاه سلمي.
واشنطن لها حساباتها الخاصة التي تسعى لتحقيقها قبل وبعد المؤتمر، قال كيربي خلال مؤتمر صحفي: «إن هذه ليست مفاوضات سلام، ولن أتوقع منها نتائج محددة وملموسة. إنها فرصة أخرى لحشد دعم المجتمع الدولي». وأوضح: «إنه استمرار لأشهر من المناقشات مع أوكرانيا والشركاء الدوليين حول خطة السلام لزيلينسكي، وحول كيفية تفعيلها وحشد التأييد الدولي لها».
الشركاء الأوروبيون يريدون أن يضعوا حدّاً لهذا النزيف الذي يستنزف القارة العجوز؛ لهذا يسعون للضغط على أوكرانيا لوقف هذه الحرب، حيث التقى ممثلو الدول الأوروبية، قبل مؤتمر جدة؛ لتنسيق أطروحاتهم. ومن بين الدول التي وجهت إليها دعوات أوكرانيا وإندونيسيا ومصر والمكسيك وتشيلي وزامبيا، وقد أكدت المشاركة في الاجتماع كل من المملكة المتحدة وجنوب أفريقيا وبولندا والاتحاد الأوروبي.
صحيفة «بوليتيكو» الأمريكية في تقرير لها قبل المؤتمر ذكرت: إنه من غير الواضح، ما إذا كان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان سيحضر الاجتماع، ووفقاً للصحيفة، ستتمحور المناقشات، التي تجري على مدار يومين، حول 10 مواضيع فرعية، وعلى وجه الخصوص «أمن الغذاء والطاقة، وإطلاق سراح السجناء»؛ فضلاً عن «الأمن البيئي وإمكانية تشكيل محكمة جرائم الحرب».
مؤتمر السلام التأريخي الذي عقد في السعودية، أول الغيث الذي مهّد لتسوية سياسية كبرى، وكان لمحاولة صهر كل المبادرات التي سبقت وأخذها في الاعتبار تمهيداً لإحلال السلام الذي يتطلع إليه الجميع.