الخميس ٢٩ ديسمبر الماضي أدى بنيامين نتنياهو اليمين الدستورية رئيساً للحكومة الإسرائيلية الجديدة. هذه الحكومة، بمعايير الائتلاف التقليدية في النظام السياسي الإسرائيلي، تُعتبر حكومة أغلبية، وليس بالضرورة حكومة مستقرة. هناك ١٤ نائباً في الكنيست، من أصل ٦٣ يشكلون ائتلاف الحكومة الجديدة يمثلون أقصى يمين التطرف الديني والقومي في إسرائيل، محاورُ الخلافِ بينهم أكثرُ من نقاطِ الالتقاء، شأن واقع اليمين في إسرائيل، بصفة عامة.
كما أن حكومة نتنياهو الجديدة، ليست فقط غير متجانسة، داخل تيارات اليمين المتطرف فيها، هي ليست متجانسة من الناحية السياسية، بصفة عامة، كونها تجمع بين أقصى اليمين المتطرف، وأقصى اليسار الليبرالي، كما يظهر، على سبيل المثال: من تمثيل المثليين الرفيع في الكنيست، وكذا الأحزاب الدينية المتشددة غير المتسامحة مع ظاهرة المثلية، في المجتمع الإسرائيلي.
الحكومة الإسرائيلية الجديدة، باختصار: ضعيفة، بشكل هيكلي خطير يتزعمها رئيسٌ لحزبٍ ضعيفٍ (الليكود) مطاردٌ بقضايا فساد. بنيامين نتنياهو برئاسته للحكومة، يبحث عن طوق نجاة يحميه من الملاحقات القانونية، التي هي في نفس الوقت، محور الائتلاف الحكومي الأساسي نفسه. نتنياهو ساوم على استقرار الحكومة نفسها، بالاستسلام لابتزاز أقصى اليمين المتطرف، بوعودٍ قطعوها، بإعفائه من قضايا الفساد المرفوعة ضده.
الحكومة الإسرائيلية الجديدة، لا توفر فقط لرئيسها واقياً (مؤقتاً) يحميه من قضايا فساد تلاحقه، لكنها أيضاً تعاني من معضلة سياسية وأخلاقية مركبة. حكومة يشترك في ائتلافها خارجون عن القانون، ليتولوا فيها مسؤولية إنفاذ القانون! ايتمار بن غفير زعيم حزب القوة اليهودية اليميني المتطرف، الذي أُعطي وظيفة أمنية رفيعة في حكومة نتنياهو، هو ملاحقٌ من القضاء الإسرائيلي في قضايا عنف وإرهاب و«بلطجة»، ليمارس هوايته (نظامياً) هذه المرة، من خلال عضويته في حكومة يمينية متطرفة، من أهم أجنداتها السياسية والأمنية ممارسة عنف وإرهاب منظم، باسم الدولة، ضد الفلسطينيين، في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، بل وفلسطيني الخط الأخضر، داخل إسرائيل.
هنا نأتي إلى المعضلة الإستراتيجية الخطيرة، التي تواجه الحكومة اليمينية المتطرفة الجديدة في إسرائيل. نتنياهو في أول اجتماع لحكومته، وعد بأمرين متناقضين تماماً، لا يمكن أن يتقابلا، إطلاقاً. أولاً: هدّد بالتعامل بصورة غير تقليدية مع المسألة الفلسطينية، بصورة لم تتبعها حكومة إسرائيلية، بما فيها الحكومات التي رأسها هو نفسه، من قبل. ثانياً: البناء على زعم ما حققته حكومته السابقة مفاخراً أنها فتحت باب القبول بإسرائيل على مصراعيه، بما يفوق مطلب اعتراف العرب بإسرائيل، إلى التطبيع الكامل معها!
إستراتيجياً: هناك تفسير واحد للحكومة الإسرائيلية، هي أنها حكومة حرب، بامتياز. هي حكومة هشة وضعيفة، من داخلها، تتكون بصفة أساسية من رموز فاسدة، رأت في مناصبها السياسية حصانة من الملاحقة القانونية ضدها.. وهي، في نفس الوقت، حكومة مدججة بالخارجين على القانون، ليكونوا مسؤولين عن إنفاذه. الخطر الإستراتيجي الأهم هنا، يحمل تهديداً مُحْدِقاً وناجزاً لأمن إسرائيل نفسها، قبل تهديده لمستقبل السلام في المنطقة.
لقد توعد نتنياهو: بإنهاء المسألة الفلسطينية، بصورة لم تحدث من قبل، وهذا ما أثار قلق، ليس الفلسطينيين والعرب، بل العالم بأسره، بينما يَعِدُ، في نفس الوقت، عقد سلامٍ «تطبيعياً» مع العرب! في حقيقة الأمر، نتنياهو يتوعد بحربٍ غير تقليدية في عنفها وسعيرها وفي أدواتها، وربما في أسلحتها، تهدد أول ما تهدد وجود إسرائيل، نفسه.
الحربُ والعدوانُ، من أولويات بقاء إسرائيل. لكن ما تتوعد به حكومة إسرائيل اليمينية المتطرفة الجديدة، يهدد واقع وفكرة وجود إسرائيل نفسها. نتنياهو بتهديده السلام في المنطقة يعمل على هدم المعبد على رأسه، وعلى إسرائيل، معاً. ربما نتنياهو، في هذه الحالة، بلا إرادة، يؤدي خدمة لقضية السلام في المنطقة والعالم، من حيث لا يدري ولا ينتوي، ليذكره التاريخ ضمن قائمة أعداء السلام والإنسانية، متفوقاً على نيرون وهتلر وموسيليني وتوجو وستالين.
تاريخياً: أعداء السلام تستخدمهم حركة التاريخ، أحياناً، لنصرةِ السلام.