قبل أيام ظهر العميل الإيراني في لبنان نصر الله في لقاء مع أنصاره، وتوقعت للوهلة الأولى أنه سيتحدث عن أهم مشكلة يعيشها لبنان حالياً ويهتم بها كل مواطن لبناني؛ ألا وهي خلو منصب الرئاسة منذ شهور، توقعت أن يطالب نصر الله اللبنانيين بتوحيد صفوفهم ونبذ الخلافات لاختيار مرشح لرئيس الدولة، فلا يمكن تصور أن تحقق دولة ما استقراراً سياسياً واقتصادياً بل وأمنياً دون وجود ربان للسفينة، ولاشك أن فراغ كرسي الرئاسة هو قضية داخلية تمس مختلف التيارات السياسية، فإن فشلت هذه التيارات في اختيار رئيس الدولة فهي وحدها من تتحمل فاتورة الفشل الذي يعيشه لبنان بكل أبعاده.
أعلن نصر الله في لقائه أن لبنان على حافة الانهيار الاقتصاي موجهاً أصابع اللوم إلى دول الخليج بصفة عامة والمملكة بصفة خاصة، مطالباً بسداد فاتورة الانهيار الاقتصادي التي كان هو أول من تسبب فيها بسبب تدخله في مناحي الحياة السياسية والاقتصادية بل وحتى العسكرية، وقد بدا خطابه على درجة عالية من الوقاحة، فمطالبته بالدعم المالي من المملكة يوحي وكأن للبنان حقاً مكتسباً في أموالها، وكأنه يفترض أن تقوم المملكة العربية السعودية بتحمل موازنة لبنان حتى يتمكن هو وحليفته إيران من تحقيق أجندتهم في المنطقة.
ربما لا يدرك نصر الله -أو لعله يغض الطرف- عن أن الفشل الاقتصادي هو نتاج للفشل السياسي في إدارة أموال الدولة اللبنانية، وعلى الرغم من أن لبنان لا يملك مواردَ طبيعية لتمويل موازنته إلا أنه خلال فترة السبعينات -وقبل الحرب الأهلية- كان يتمتع بوفرة اقتصادية نتجت عن ازدهار أنشطة قطاع السياحة، فقد كان هذا البلد محط أنظار الدول العربية لما يتمتع به من مقومات سياحية خلابة، غير أن سوء الإدارة والولاء لأطراف خارجية وخدمتها على حساب مصالح الشعب اللبناني هو من دمر لبنان وتركها فريسة للاستغلال والفساد والطمع، وهو ما أدى بدوره لانحدار البلد وتدهوره ووقوعه في هاوية الانهيار.
من المؤكد أن حصول لبنان على أي نوع من أنواع الدعم المالي مرهون بإحداث تنسيق سياسي مسبق بين جميع الأطراف ذات العلاقة، وهو التنسيق الذي من شأنه إخراج لبنان من دائرة الفوضى والتخبط والعشوائية وإيصالها لبر الأمان، فأي دعم مالي سيتم تقديمه للبنان -مهما بلغ حجمه- لن يذهب لمستحقيه بأي حال في حال استمرار حالة الفوضى السياسية، بل سيذهب لجيوب أمراء الحرب وربما لخزائن طهران الفارغة التي أفلست بسبب مغامراتها الحمقاء التي تبدو وكأنه لا نهاية لها.
لعل حسن نصر الله يريد أن تقوم المملكة بدمج موازنة لبنان مع موازنتها، وأن تقدم للبنان كافة أنواع الدعم المالي والسياسي، ذلك ليتمكن هو وأنصاره من الاستمرار في تقديم فروض الطاعة والولاء لطهران، في مفارقة سخيفة تكشف مدى وصولية وتناقض هذا الفصيل السياسي الذي يمثله نصر الله، فنصر الله يناقش القضية السياسية بمنطق التاجر الذي يوشك على الإفلاس، فهو يريد حزمة إنقاذ سريعة وسخية ولكن دون أن يتطرق لأسباب وعوامل إفلاسه، والتي من المؤكد أنها ستتكرر لا محالة في حال عدم علاجها من جذورها، وبهذا ستذهب حزمة الإنقاذ سدى كما سيسوء الوضع ويتردى ربما إلى نقطة اللاعودة.
لبنان ليست الحالة الوحيدة التي تعكس حالة التردي السياسي والاقتصادي هذه، فالأمر متكرر في كافة الدول التي تدخلت إيران في شؤونها الداخلية وأوصلتها لحافة الانهيار، ولا يسعني تصور ما يقوم به نصر الله من محاولة لفلسفة الأمور على هذا النحو إلا باعتباره حالة من حالات «الخرف السياسي» إن صح التعبير، فنصر الله لم يترك مناسبة إلا ووجه خلالها النقد اللاذع للمملكة، ثم يخرج بعد ذلك مطالباً إياها بدعم لبنان مالياً؟! فكيف تحارب طرفاً ما ثم تطلب مساعدته لتتمكن من إكمال الحرب ضده؟! أين المنطق والعقل في هذه التصريحات الغوغائية التي أعجبت بعض أنصار حسن نصر الله من ضعاف النفوس، ممن أسال لعابهم حديث نصر الله عن ثروات دول الخليج واقتصادها القوي، فهرعوا للتصفيق والاحتفاء بما تفوه به من ترهات مخالفة للعقل والمنطق.
يحق لنا أن نتساءل ما الذي أضافه نصر الله للبنان؟ وهو الشخصية التي تطل علينا بين كل فينة وأخرى مختبئاً من وراء الدائرة التليفزيونية ليزيد من شعبيته بين أنصاره، ولا أحد يعلم على وجه اليقين هل يطل علينا من لبنان أم من إيران، وفي اعتقادي أنه آن الأوان لنصر الله ليتنحى ويعتزل عالم السياسة، فالسياسي الناجح يجب أن تتوفر فيه سمتان؛ الأولى هي ضرورة أن يتصف بالوطنية الكافية والاهتمام الحقيقي بقضايا بلده، والثانية هي قدرته على الإقناع ومخاطبة الرأي العام بكل ما هو منطقي ومبرر، وبما أن نصر الله مفتقد لكليهما لذلك فهو في نظر العالم أجمع مسؤول غير مسؤول، وخارج فعلياً عن الخدمة!