مع الإيمان بقضاء الله وقدره وأن ما حدث في تركيا وسوريا كارثة طبيعية هائلة كان من المتوقع أن توقع عدداً كبيراً من الضحايا، بسبب الامتداد الكبير للفالق الزلزالي الذي تجاوز 500 كم وكذا قوة الزلزال وتوقيته الذي جاء فجراً، حيث الغالبية الساحقة من الضحايا كانوا نياماً في بيوتهم التي تداعت عليهم. مع كل ذلك فإن الحكومة التركية تتحمل جزءاً من المسؤولية عن تفاقم عدد الضحايا لأسباب كثيرة سوف نقسمها إلى قسمين: الأول قبل الزلزال والثاني كيفية التعاطي مع الكارثة فور حدوثها. ليس صحيحاً أن الزلزال غير متوقع، فتركيا، كما يعلم المسؤولون الحكوميون، تقع في منطقتين نشطتين زلزالياً؛ الأولى هي تلاقي صفيحة الأناضول مع الصفيحة الأوراسية، والثانية تلاقي صفيحة الأناضول مع الصفيحة العربية، وبالتالي مسألة حدوث زلزال مدمر مسألة وقت لا أكثر، لذلك كان يفترض أن تستعد الحكومة لهذه اللحظة عبر إنشاءات سكنية مناسبة ومؤسسات دفاع مدني أكثر كفاءة وخطط للتحرك السريع، كما أن التغاضي عن مخالفات البناء عبر أحكام بالعفو أصبحت روتينية وسنوية. أما القسم الثاني من الأسباب فهي التي أعقبت الكارثة وهي كثيرة ويصعب حصرها، ولكن نشير إلى أهم الأسباب؛ أولها هو غياب أي خطة، فعلى امتداد يومين وهو الوقت الأثمن لإنقاذ الضحايا، كانت هناك حالة فوضى عارمة وكثير من الضحايا فقدوا أرواحهم في هذا التوقيت، ولم تكتمل الخطة العاجلة للحكومة حتى اليوم الثالث أو الرابع حتى بدأنا نرى بعض العمل المنظم. السبب الثاني وهو عدم إنزال الجيش للمساعدة في عمليات الإنقاذ، وهذا عادة إجراء تتخذه معظم الدول في مثل هكذا حالة، وهنا لا نتحدث عن جنود ينزلون على الأرض، ولكن نتحدث عن قطاع الهندسة الذي لم تتم الاستفادة منه، في كل كتيبة وفرقة عسكرية يوجد قطاع هندسي مهمته فتح الطرق وبناء الجسور وإزالة الأنقاض، وهؤلاء كانوا سيحدثون فرقاً كبيراً في الإنقاذ، وبالرغم من حضور عدد كبير من فرق الإنقاذ ومن مختلف دول العالم إلا أن الجانب التركي كان مهووساً بالأمن، فكانت إدارة الكوارث والطوارئ التركية ترسلهم إلى مناطق يسهل مراقبتها وكانت ترافقهم قوات أمنية وحراسة مشددة، وهذا أدى إلى تجاهل نداءات الاستغاثة في هوامش المدن والمناطق النائية وزاد ذلك إلى حد كبير من عدد الضحايا. عدم الاستعداد لمثل هكذا كارثة أدى إلى عدم امتلاك السلطات لأدوات فعّالة في إنقاذ المحتجزين تحت الأنقاض، فعلى سبيل المثال كانت فرق الإنقاذ بحاجة إلى حسّاسات حرارية أو أجهزة متطورة تسمح بمعرفة إذا ما كان هناك أحياء أم لا في المباني المدمرة. ولم تظهر هذه الأدوات المتطورة إلا في اليوم الثالث ومع وصول فرق الإنقاذ الأجنبية، بينما كانت طواقم الدفاع المدني تعتمد على طرق بدائية في عمليات الكشف عن ناجين تحت الأنقاض، وهذا جعل تلك الطواقم تتجاهل أبنية مهدمة ثبت فيما بعد أنها احتوت على أحياء.
الهاجس الأمني، والفساد في قطاع العقار، وحالة الفوضى التي سادت بعد الزلزال، كل ذلك كان له دور كبير في زيادة عدد الضحايا. رحم الله القتلى، وكان في عون أهاليهم وذويهم وألهمهم الصبر والسلوان.