وحين تسمع أحداً يقول إن حرب (غزة) تمثل انتصاراً، فهذا القائل له رأس نملة، أي انتصار في قتل عشرين ألفاً (من أطفال، وشباب، ونساء)؟ ولا شك أن المفقودين تحت الأنقاض يماثلون العدد نفسه إن لم يفقه بشاعة.
لنعد إلى الهدنة (المزعومة)، هي هدنة لأربعة أو خمسة أيام، ومن سمع وزير الدفاع الإسرائيلي سيعرف أن القادم أكثر ضراوة مما مضى، فالأهداف الاستراتيجية تقول عنها إسرائيل إنها لم تكتمل، وأهمها تهجير الفلسطينيين إلى ضفتي مصر والأردن، ولأن قادة حماس يهللون بالنصر المزعوم، فهو تهليل من أمَن على حياته وأولاده خارج تنور (غزة) مع جني أرباح الدمار والقتل الذي حدث.
وإسرائيل (ومعها أمريكا) لم يوافقوا على الهدنة وتبادل الأسرى إلا ولهم الأهداف الاستراتيجية الرئيسة؛ وأهمها التهجير، وما تبادل الأسرى إلا نتيجة لضغط الأهالي الإسرائيليين، ولو تذكرنا بداية الحرب، سنقف على حقيقة بروتوكول هانيبال الإسرائيلي، الذي يمكّن الجيش من مواصلة الحرب غير عابئ بأسر جنوده، معتبراً أسرهم أو مقتلهم فداء لإسرائيل، ولو تذكر قادة حماس هذه النقطة لعرفوا أن الهدنة والتبادل الجزئي للأسرى ما هما إلا خطة لاستكمال الدمار الشامل، ودفع الفلسطينيين للجوء للدولتين المجاورتين (مصر والأردن)، وكان من الأجدر عقد اتفاق تبادل الأسرى بعد أن تقف الحرب تماماً، أما والحرب قائمة، فغدر إسرائيل حاضر، إذ يمكن لها تبييض سجونها من الفلسطينيين كلهم، ومع خروجهم تقوم بقصفهم داخل غزة المدمرة، ويكون من الأفضل بقاؤهم أحياء في سجونهم، لا موتى في قبورهم.
و«إنّ غَداً لنَاظِرِهِ قَرِيبُ»، إسرائيل لم تقدم على هدنة مؤقتة إلا من أجل تسهيل أهدافها، وإذا طالبت بخمسين أسيراً فهم (النقوة) وليذهب بقية الأسرى تحت شعار (بروتوكول هانيبال).
ولأن القادة في جهة أخرى، وفي أمان آخر، ظلوا 46 يوماً يشاهدون ذلك الدمار والقتل الوحشي، ليتهم جعلوا لرجال المقاومة الحق في اتخاذ القرارات، وأجزم أنهم سيصرون على الموت قبل أن يصل العدو إلى هدف التهجير.