هذه الجملة هي استلال من حديث مطول مع الصديق الدكتور أحمد العرفج، حين سألني عن رأيي في المنتدى الإعلامي الثاني الذي أقيم في مدينة الرياض.
وبدءا أصبحت أضيق من الأسئلة التي تنطلق بسرعة الشاحنات المتهورة التي يقودها سائق متهور أو عديم الخبرة.
إذ لا يستطيع المرء أن يجيب بدقة عن العموميات أو القضايا المتداخلة، كما يريد السائل باختصار الدنيا بإجابة واحدة، وهذا ما يقوم به في الغالب الصحفيون المبتدئون، أو من ألف على البحث عن المختصرات، وطالبوا هذه المختصرات وجدتهم في حياتي بما يكفي، سواء في الصالونات الأدبية أو من خلال بعض الأصدقاء، وهذه الفئات تمتشق رداء الثقافة في كل حين وكأنها في حالة تفتيش عما تسرب من آراء مثقفين أو نقص من إعدادات أي فعل ثقافي.
وفي كل مرة أتحدث عن الفروقات الشاسعة بين الحصول على المعرفة وبين الحصول على المعلومة، فالمعرفة بحث مضنٍ للإجابة عن الأسئلة الشائكة، (تصل أو لا تصل)، والمعلومة اختصار مخل لتلك البحوث ونقلها أو تثبيتها بأخطائها وصوابها.
وغير الباحثين عن المختصرات، هناك فئة تنطلق بشاحنات قاز مشتعلة، ومهمتها تدمير أو إحراق ما تصادفه أمامها، وهذه الفئة هي التي لا ترى نوراً يشع في أي مكان وتنتدب نفسها لإشعال الحرائق وفي زعمها أنها قادرة على إخراج نور ولو كان حريقاً.
هناك فوارق جوهرية بين مشعل ينير العتمة وبين حرائق تنتج ناراً مهلكة، وهذه الفوارق تنشأ من خلال البحث الجاد عن مفاهيم الجمال وصولاً للعدالة، فالعدالة متفرعة وكل فرع فيها يقود إلى حياة مزهرة وليست محترقة.
وعوداً لحديثي مع الصديق الدكتور أحمد العرفج كان حديثنا دندنة حول هذه المواضيع، وربما راق لعامل المعرفة قولي بأنني وصلت إلى قناعة بأن أي فعل يحدث لا بد من تقديره، فالنقد هو البحث عن جمال ما يقدم وليس تهشيمه.
وقد أجاد الصديق أحمد في عرض فكرة التشجيع من خلال برنامجه (هلا بالعرفج).
وفكرة الاصطفاء قائمة على البحث عن الأجمل فليس في الكون انتخاب لأي شيء من غير جمال فيه، والجمال يحتاج إلى العين البصيرة فكل قبح به جمال ما، وبمعنى آخر أن أي عمل بذل فيه الجهد -وإن نقص- هو عمل جميل في إخراجه إلى حيز الوجود.
وكما تعبنا من لعن الظلام علينا إحياء مقولة الشاعر الرائع بدر بن عبد المحسن (عطني في ليل اليأس شمعة).. وهذه هي إيجابية أن تعيش.