لا تفتأ سوق ابتكار اللقاحات تأتي بالأخبار السارة، لكنها تأتي أحياناً بما يخيب الآمال! فخلال نهاية الأسبوع فقدت البشرية أملين كبيرين؛ أحدهما بتخلي جامعة نيويورك عن تجربة لتطويع لقاح عريق ليصبح لقاحاً ضد النوع الأول من مرض السكري، والآخر يتمثل في إعلان فشل اللقاح التجريبي الوحيد لفايروس (اتش آي في)، المسبب لمرض النقص المكتسب في جهاز المناعة (إيدز). وكانت جامعة نيويورك بدأت تجربة لتطويع لقاح بي. سي. جي. المضاد للجرثومة المسببة لمرض السل (الدرن الرئوي) ليكون لقاحاً مضاداً للنوع الأول من داء السكّري. وظل هذا اللقاح القديم يثير اهتمام عدد من الجماعات بدعوى أنه يمكن أن يستهدف مرض ألزهايمر، وعدداً من أنواع السرطان. وزعم متحمسون، أخيراً، أن بالإمكان استخدام هذا اللقاح، الذي تم إعطاؤه للإنسان للمرة الأولى في سنة 1924، لمناوأة مرض كوفيد-19 وبقية الأمراض التنفسية، بدعوى أنَّ له مفعولاً سحرياً على جهاز المناعة. وتجري حالياً تجربة موسعة لمعرفة تأثير لقاح (بي. سي. جي) في سكر الدم لدى بالغين مصابين بالنوع الأول من السكري. وتجري تجربة مماثلة شارفت نهاياتها على متطوعين من الأطفال في مستشفى بوسطن العام بولاية ماساشوسيتس الأمريكية. وتم تجنيد 150 طفلاً متطوعاً للتجربة ضمن التجربة في شقها بجامعة نيويورك، أعطي اللقاح لـ18 طفلاً منهم، على أن تتم متابعتهم على مدى 5 سنوات، تشمل 8 زيارات للاطمئنان على مأمونية اللقاح خلال السنة الأولى. وقالت جامعة نيويورك إنها قررت الانسحاب من التجربة، التي تم إقرارها في ديسمبر 2020، بعد مراجعة مزيد من الأبحاث المتعلقة باللقاح المذكور؛ فيما أشار علماء مستشفى بوسطن العام إلى أنهم ماضون قدماً في التجربة، بعدما تأكد لهم أن لقاح (بي. سي. جي) أدى إلى خفض مستوى سكر الدم إلى المعدل الطبيعي لدى عدد من البالغين المصابين بالنوع الأول من السكري. ويقول علماء، تعليقاً على قرار جامعة نيويورك بوقف تجربتها، إن مثل هذا القرار يتخذ عادة حين تتوافر أدلة على مخاطر تتصل بمأمونية اللقاح. بيد أن جامعة نيويورك لم تشر إلى مخاطر من ذلك القبيل. وذكر آخرون أن ثمة فرضية تذهب إلى أن لقاح (بي. سي. جي) ربما كان يتسبب بإضعاف قدرات الجسم على إنتاج خلايا الدم البيضاء، التي تهاجم أنسجة الجسم نفسه، بما فيها الخلايا التي تقوم بإنتاج الإنسولين داخل البنكرياس. وترى جماعات علمية أنه على رغم أن هذا اللقاح يزيد عمره على 100 عام، ولم تعد هناك حقوق تقيّد إنتاجه؛ فإن أي لقاح جديد ينبثق منه سيكون باهظ التكلفة. وأشارت هذه الجماعات إلى أن عقار تيبليزوماب، الذي تمت الموافقة عليه بعدما تأكدت فعاليته في تأخير الإصابة بالنوع الأول من السكري لبضع سنوات، تكلف الكمية الكافية منه لمدة أسبوعين ما يقارب 200 ألف دولار.
أما بالنسبة إلى اللقاح التجريبي الوحيد لمرض الإيدز، الذي ابتكرته شركة جونسون آند جونسون الدوائية الأمريكية، فذكرت الشركة أنها قررت وقف تجربته، على رغم أنها وصلت طوراً متقدماً. وأضافت أنها أوقفت التجربة لأن اللقاح لم يُجْدِ في منع الإصابة بالإيدز. ويقوم اللقاح على نسخة من فايروس نافق، ويعطى في شكل حُقن 4 مرات خلال السنة. وبدأت تجربة اللقاح في 2019، في أكثر من 50 موقعاً في أرجاء العالم، ومن بين متطوعي التجربة 3900 من المثليين، الذين يعتبرون الأكثر عُرضة للإصابة بفايروس الإيدز. وتشير إحصاءات سنة 2021 إلى أن نحو 650 ألف شخص ماتوا بالإيدز في تلك السنة، فيما انضم 1.5 مليون نسمة إلى قائمة المصابين به. وتقول منظمة الصحة العالمية إن شركات عدة؛ منها موديرنا، لديها لقاحات مرشحة لمكافحة الإيدز، لكن لقاح جونسون آند جونسون التجريبي هو الوحيد الذي قطع شوطاً في التجارب السريرية. وأشار علماء إلى أن هذه الانتكاسة في مجال لقاح الإيدز تعيد التقدم في أبحاث هذا المجال من 3 إلى 5 سنوات للوراء. لكن علماء مختصين قالوا إنها ليست نهاية المطاف، وإن الأبحاث لن تتوقف. ويعتقد أن عدد المصابين بالإيدز يصل إلى نحو 40 مليون نسمة، لا يحصل 10 ملايين منهم على أي دواء.
وعلى صعيد ذي صلة، أمكن رصد مستجدات عالم اللقاحات خلال الأسبوع الماضي على النحو التالي:
• أعلنت شركة ساينوفارم الدوائية الصينية أنها حصلت على موافقة الجهات الرقابية على بدء تجارب سريرية للقاح ابتكرته لمرض كوفيد-19 يعمل بتكنولوجيا مرسال الحمض النووي الريبوزي، ويستهدف بوجه الخصوص سلالة أوميكرون. وقالت الشركة إنها بنت منصة للأبحاث والتطوير قرب شنغهاي، على أمل أن تنتج ملياري جرعة من اللقاح المرتقب. وحصلت ساينوفارم على توكيل يتيح لها إدخال عقار مولنوبيرافير، الذي أنتجته شركة ميرك الدوائية الأمريكية، لمعالجة كوفيد-19.
• ذكرت وكالة الأدوية التابعة للاتحاد الأوروبي، في بيان، أنها لم تجد أي أدلة على أن لقاح فايزر-بيونتك المضاد لفايروس كوفيد-19 يتسبب في سكتات دماغية. وأوضحت أنها لم تحصل على أدلة من ذلك القبيل في أيٍّ من بلدان الاتحاد الأوروبي. وكانت هيئة الغذاء والدواء الأمريكية أعلنت، الأسبوع الماضي، أن أحد أنظمة الرقابة أبلغ عن احتمالات إصابة الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 65 سنة بسكتة دماغية نادرة بعد الخضوع للتطعيم بلقاح فايزر-بيونتك المحدّث. وأوضحت فايزر أنها لم تتلق إشعاراً من عدد من أنظمة المراقبة الأخرى بمخاطر من ذلك القبيل.
• يتوقع أن تصدر هيئة الغذاء والدواء الأمريكية قراراً في مايو 2023 بشأن لقاح ابتكرته شركة فايزر الأمريكية لمنع الإصابة بفايروس التهاب الجهاز التنفسي المَخْلَوِي لتحصين البالغين. وقالت فايزر إن بيانات التجربة السريرية المتقدمة أكدت نجاعة اللقاح بنسبة تصل الى 81.8%. وأعلنت شركتا جونسون آند جونسون وميرك وشركاه الدوائيتان الأمريكيتان أنهما بدأتا مرحلة متقدمة من تجارب سريرية على لقاح أنتجته الأولى، وكوكتيل من الأجسام المضادة أنتجته الثانية لمنع إصابة الأطفال بهذا الفايروس.
XBB.1.5 تهيمن على 50 % من إصابات أمريكا
أعلنت المراكز الأمريكية للحد من الأمراض ومكافحتها أن متحورة XBB.1.5 غدتْ تهيمن على نصف عدد الإصابات بفايروس كورونا الجديد في الولايات المتحدة. وأشارت المراكز الأمريكية إلى أن هذه المتحورة تسببت في 49.1% من الإصابات الجديدة هناك خلال الأسبوع المنتهي في 21 يناير الجاري. ولم تكن النسبة تتجاوز 37.2% خلال الأسبوع الذي سبقه. وتعد هذه المتحورة الأسرع تفشياً من بقية سلالات ومتحورات فايروس كوفيد-19. وتم اكتشاف وجودها في أكتوبر الماضي. وهي تتحدّر من متحورة XBB، وتمتلك خصائص اثنتين من متحورات سلالة أوميكرون. وكان مدير منظمة الصحة العالمية الدكتور تادروس غبريسيوس قال، الأسبوع الماضي: إنه تم تأكيد تفشي XBB.1.5 في أكثر من 25 دولة. ولا يعرف العلماء إن كانت هذه المتحورة ستشن هجمة وبائية تعيد الوباء العالمي إلى المربع الأول. لكنهم يتمسكون بأن الجرعات التنشيطية المحدّثة من لقاحات كوفيد-19 توفر حماية كافية من احتمالات استفحال الإصابة، والتنويم، والوفاة.
من ناحية ثانية؛ ذكر تقرير لمنظمة الصحة العالمية الأسبوع الماضي، أن الحصانة المتأتية عن التعافي من الإصابة بكوفيد-19، ومن التطعيم باللقاحات المضادة له توفر حماية كافية تدوم ما لا يقل عن سنة. وأشارت المنظمة إلى دراسة دولية موسعة خلصت إلى أن مزيج المناعة الناجمة عن الإصابة السابقة والتطعيم منعت أكثر من 97% من المصابين من خطر التنويم، واستفحال الأعراض. وأضافت أن الجرعات التنشيطية توفر حماية إضافية لمدة 6 أشهر، في حين توفر المناعة الناجمة عن الإصابة السابقة وحدها حماية بنسبة 75% تستمر سنة. وأشارت بلومبيرغ إلى أن مستشارين من خارج هيئة الغذاء والدواء الأمريكية سيجتمعون في 26 الجاري لتحديد ما إذا كانت تتعين إعادة النظر في سياسات التطعيم في ظل التحولات التي يمر بها الوباء العالمي.