المشكلة أن الموردين توقفوا عن تزويده بأي أفلام جديدة، لم يعد هناك من يشاهد الأفلام على أجهزة فيديو، بل لم يعد هناك من يعرف ماهية هذه الأشرطة المتراصة خلف البائع الهمام، سوى قلة قليلة من مجايليه ممن ينظرون إلى هذا الدكان بحنين لزمن مضى. نعم، كانت هذه التجارة رائجة حتى ظهر اليوتيوب، فانقرضت في سنوات قليلة، الجميع ترك هذه التجارة لأن لا زبائن لها، لكن صاحب دكان حارتنا لا يزال ينكر كل هذا التقدم، وأن الزمن تجاوز بضاعته المزجاة، يعيش حالة إنكار عميقة لا يمكن لأحد أن يزحزحه عنها، حتى أن الناصحين في حيّنا باتوا يخشونه، فبمجرد أن يقول أحدهم إن هذه البضاعة قديمة وإن زبائنها لا وجود لهم حتى ينطلق الشيخ، والذي أوتي كاريزما خاصة ولساناً حادّاً، في الدفاع عن بضاعته، لا بمناقشة الفكرة، بل بالنيل من محاوريه وانتقاصهم، ونعتهم بالجهل، حتى إنه قال مرّة لأحد أصدقائه حين نصحه بتغيير تجارته، أو على الأقل أن يقوم بتطويرها: «كيف تنتقص من بضاعتي، كان من الحري أن تمنعك بقية من خُلق إن لم يمنعك علمك»، فصادر على ناصحه صفتي العلم أو التحلي بالخلق.
المشكلة الرئيسة في هذا المحل أنه لا يزال يستقطب قلة قليلة ممن يريدون لهذا التاجر أن يحفظ ماء الوجه في سنه المتقدمة تلك، فيستأجرون أشرطة فيديو يحملونها إلى بيوتهم ثم يعيدونها في اليوم التالي دون أن يشاهدوها، إذ لا وجود لأجهزة عرض تصلح لتشغيل تلك الأشرطة، ثم يناقشون محتواها مع صاحب المحل لساعات، فهم يعرفون كل بضاعته عن ظهر قلب، إذ لا جديد لديه، وهي المشكلة التي نتجت عنها عدة مشكلات، منها تعميق حالة الإنكار التي يعيشها، ومنها ما يصدر عن هذا الدكان من صخب لا طائل من ورائه، فهو يكرر تشغيل الأفلام مرة تلو أخرى، ذات الأفلام وبصوت مرتفع، حتى إن ضجيجه لم تسلم منه الأحياء المجاورة لحيّنا.
لم يعد أحد يحدثه عن دكانه العتيق، لأن شيخاً وقوراً نصح الجميع في جلسة ضمّت حكماء الحارة ذات مرّة: «اتركوه، سينتهي هذا الضجيج بمجرد أن يصمت الرجل المسن لسبب ما»، فقال شاب كان حاضراً: «لكن يا شيخ، تراه صجّنا»، فتبسّم الشيخُ وقال بهدوء وثبات: «استعينوا بالله واصبروا».