يؤكد الشاعر موسى حوامدة أنه لم يعد يكتب بالقلم على الورق إلا بعض الأرقام أو الإهداءات، موضحاً أنه يحب الورق الأصفر، ويكتب عليه بعض الملاحظات الأولية، لافتاً إلى أن الكتابة صارت على اللابتوب أسهل وتمنحه حرية التغيير والتصرف ورؤية شكل الفقرات والجمل، موضحاً أنه يكتب القصيدة مرة واحدة، إلا أن المقالات أو النثر تحتاج إلى إعادة نظر ومراجعات، واللابتوب أيسر لكل هذه المهام، فيما يقر بالحنين للورقة والقلم دائماً، مشيراً إلى أن الكتابة نفسها لم تتبدل، وربما تطور وتغيّر شكلها، ويعتقد أن النقلة التي حدثت للرأس من الانكباب على كتابة الورق والارتفاع إلى مستوى الشاشة، ضيع الكثير من التركيز والإنهماك والاستغراق في الفكرة إلى حد العبادة، وصار هذا الارتفاع -أعني ارتفاع الرأس- أكثر حرية. وتساءل: هل انتقلنا من دور الانحناء للفكرة لمواجهتها؟ ويضيف: ربما يجيب عن سؤالي علماء النفس والاجتماع أكثر مني أنا أسأل فقط.
فيما قال الروائي عبدالعزيز الصقعبي: عندما قرأت السؤال عن العلاقة بالقلم بدأت أترنم بأغنية طلال مداح «خذيت القلم أبكتب لك كلام»، ثم قلت: الله على زمن طلال. وأوضح أنه لا يزال يحرص على حمل قلم، إلا أنه بكل أسف أوشكت العلاقة بالقلم والورقة تنتهي بحضور الحاسب الآلي والهاتف المحمول، بل تعدى ذلك وببركة الذكاء الاصطناعي وجدت برامج تحول ما ننطق به إلى نص مكتوب.
وعدّ ما وصلت إليه التقنية جميلاً، إلا أنه لن يوفر متعة الكتابة بالقلم على الورقة، وأضاف الصقعبي: هنالك من يقول إن القلم لم ينقرض، فهنالك أجهزة حاسب لوحية مرفق بها قلم إلكتروني خاص يكتب على الشاشة، ويردّ على صاحب القول: بلا بأس. ويتساءل: هل القلم الإلكتروني قادر ومخصص للكتابة الطويلة؟ ويجيب: مستحيل في ظل توفر لوحة المفاتيح بأشكالها المختلفة، إذاً القلم الإلكتروني للرسومات والملاحظات السريعة.
و يرى أن للقلم منزلة رفيعة، إذ أقسم الله جل جلاله بالقلم في قوله (ن والقلم وما يسطرون)، وتكرر بالقرآن الكريم أربع مرات، وهذا دليل على أهمية القلم في ديننا الحنيف. ويذهب إلى أن القلم إلى زمننا هذا من أهم الهدايا الفاخرة، التي يتزين بها الرجل، إذ يضعها في جيب الصدر للثوب، ليرى الناس أن لديه قلماً من ماركة عالمية، ولا يهم أن يكتب أو لا، المهم أن يتزين به، ونلاحظ أحياناً عندما نطلب من أحدهم القلم لنكتب، يعتذر قائلاً: «لا يوجد به حبر».. أو يكون صريحاً ويقول «للزينة».
ويستعيد الصقعبي سيرة القلم، لكونه سلاحاً، ورفيقاً للكاتب، مشيراً إلى أن أنواعه وماركاته كانت مصدر فخر لمن يقتنيها، وكانت خطوطه (رفيعة أو سميكة) تحدد علاقته بمن يقتنيه والمهمة التي يقوم بها، فقلم الخطاط يختلف عن قلم الكاتب، والطالب، والموظف، وكان هنالك من يفضل القلم الرصاص، لأن مسحه أسهل، إلا أن الغالبية يفضلون أقلام الحبر وبالذات الزرقاء.
وكشف أنه يحتفظ ببعض الأقلام، وهنالك من يحتفظ بقلم أهداه له شخصية مرموقة أو أديب كبير، وبالطبع بعضها لا يقدر بثمن لأهميته، وعدّ الورقة الصدر الرحب الذي يتقبّل ما نكتبه بالقلم أو نطبعه بعد أن نكتب نصاً بالحاسب الآلي، مؤكداً أن العلاقة بالقلم والورقة لا تنتهي إلا بالعجز أو الموت.
فيما ذهب الشاعر أحمد آل مجثل إلى أن الكتابة لن تكون خارج الأقواس في حالة استخدام القلم أو الألواح الإلكترونية، فكلاهما وسيلتان للكتابة. مؤكداً أن آصرة الودّ وأُلفة الكتابة بالورقة والقلم ذات شجنٍ يأسِر الألباب، وأوضح أنه مرّ شخصياً بالتجربة ما يزيد على أربعة عقود ماضية، فكانت الورقة والقلم من رفقاء الحياة في الحلّ والترحال. وعقب أن أصبحت الألواح الإلكترونية متاحةً للجميع غدت الورقة والقلم وجاهةً لدى كثير من الكتّاب. وأضاف: على المستوى الشخصي أحنّ كثيراً لاستخدام القلم والورقة، وألقى فيها حميميةً صادقة خصوصاً في كتابة القصيدة والمقالة التي أستمتع فيها بالحذف والإضافة والتعديل والتصحيح وإبقاء الكلمة أو المفردة بحالتها مع الإشارة للتعديل، رغم توفر هذه الخدمة وبسرعةٍ فائقة في الالواح الإلكترونية. وتساءل: هل يقودنا هذا إلى مغادرة الورقة والقلم في الكتابة مع مغادرة المكتبة الورقية إلى الفضاء الالكتروني؟ ويجيب: نحن في اتجاه انحسار الورقة والقلم رغم هذا الحنين لهما.
فقدت الأصابع ألفتها مع الورقة والقلم
يذهب الشاعر خالد قماش إلى أنه في ظل هيمنة الأجهزة الإلكترونية بأشكالها ومسمياتها على حياتنا اليومية ابتعد الإنسان كثيراً عن الكتابة بشكل تقليدي، وفقدت الأصابع ألفتها مع الورقة والقلم. موضحاً أنه شخصياً يقاوم هذا الطوفان الجارف بكل ما أوتي من بياض الورق ولوعة القلم، إذ ما زال يكتب كثيراً بيده مستخدماً القلم. وإن لم تكن كتابة لها هدف أو لها غرض حياتي. ولفت إلى أنه تبقى الحميمة مشتعلة بين أصابعه والقلم والورقة.. إضافة إلى الحروف والكلمات التي تكتب بشكل تقليدي وتحمل روح الكاتب، وتمثل شخصيته، كون فيها نبضه وألقه، خصوصاً إذا كان مبدعاً ومهتماً بالشأن الكتابي.
وعدّ كتابة الأجهزة الكفية أو اللوحية أو المكتبية بكلماتها الميتة ضرورة عصرية للعمل والإنجاز، وأصبحت فرض عين على الموظفين والمنشآت، إلا أنها ليست كذلك على المبدعين والمفتونين بهوس الكتابة الإبداعية.
وأضاف، بصدق ما زلت أتلذذ بالكتابة بشكل بدائي، وما زال بياض الورقة يغريني لاقتراف الكتابة بقلمي الذي ما زال ينبض بجوار قلبي. مؤكداً أن التلفزة العربية والعالمية توفر لمذيعيها أوراقاً وأقلاماً ما يدل على حضورها وتمردها على الزمن الرقمي ولو عند العاشقين.