ويسعى المؤتمر، الذي تستضيف أعماله العاصمة المغربية الرباط، ويستمر على مدى يومين متتاليين، إلى إبراز دلائل الإيمان المعاصر، وتعزيزه في النفوس، والتصدي لشبهات الإلحاد، ورصد مخاطره، وبيان أساليب التعامل معها. ومن المرتقب أنْ تصدر عنه «وثيقة الإيمان في عالم متغيِّر».
وفي كلمته الافتتاحية «التأطيرية» لأعمال المؤتمر، أكد العيسى أنَّ المؤتمر يأتي لتذاكُر دلائل الإيمان، ولتعزيزه في القلوب المؤمنة من جهة؛ وليُواصِلَ أهلُ العلم والإيمان هزيمةَ الإلحاد من جهة أخرى.
وتطرق العيسى في كلمته إلى أمور مفصلية في موضوع الإلحاد، شملت الضبط المفاهيمي للمصطلح، والسياق التاريخي، وتفكيك علاقة التلازم بين الإلحاد والذكاء والعلوم المادية، إلى جانب الرد على جملة من الشبهات والمهاتراتِ الإلحادية بجدالاتها التي ظهرت منذ بداية نشأة تلك العلوم.
كما تطرَّق إلى ما يتميز به هذا الكون البديع من تصميمٍ أوصل بعض علماء العلوم المادية، مثل آينشتاين، إلى قناعة بأنَّ قوانين الكون لها سلطة تدير الكون، مبيناً أنَّ آينشتاين اضْطُر إلى ذلك بسبب حقائقَ صادمةٍ للفكر العدمي، مع أنه لم يكن باحثاً عن وجود الخالق جلّ وعلا، لكنَّ تلك الحقائقَ أنطقته كما أنطقت غيرَه.
وفي ختام كلمته، نبَّه الشيخ العيسى إلى جملة من الأمور المتعلقة بالتصدي لشبهات الإلحاد، ومن أهمها: ألا يتصدَّى لذلك إلا المختصون الراسخون، وأنْ يجتمع لذلك عِدَّةُ اختصاصات حيث تتداخل الشبهات مع أكثر من علم، إضافة إلى ضرورة التصدي بخطابٍ يفهمه الجميع ويَقْبلون بمُسَلَّماته المنطقية المشتركة، مع عدم التكلف، وسلبيةِ الحماسة، ولا سيما حِدّةَ الطرح؛ لأنَّ هذا من شأنه أنْ يُحيل القضيةَ إلى قضية مكابرة، ونحن دعاةُ خيرٍ للإيمان، لا نريد إلا هدايةَ الناس، لا فتنتَهم وخسارتَهم.
مواجهة الأفكار العدمية الإلحادية
ثم توالت الكلمات الإرشادية للمتحدثين في الجلسة لافتتاحية للمؤتمر، بمشاركة كل من: الرئيس العام للرابطة المحمدية لعلماء المغرب الدكتور أحمد عبادي، ورئيس مجلس الإمارات العربية المتحدة للإفتاء الشرعي الشيخ عبدالله بن الشيخ المحفوظ بن بيه، ووزير الأوقاف المصري السابق وعضو المجلس الأعلى لرابطة العالم الإسلامي الدكتور محمد مختار جمعة، والأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي الدكتور قطب مصطفى سانو، ومفتي الديار المصرية السابق وعضو مجمع الفقه الإسلامي برابطة العالم الإسلامي الدكتور شوقي علام، ورئيس منظمة الإيسسكو الدكتور سالم المالك، وأستاذ كرسي اليونسكو للتعددية الدينية والسلام، في سابينزا بجامعة روما، البروفسور ألبرتو ميلوني، والأمين العام للمجلس العلمي الأعلى في المغرب السيد محمد يسف، ورئيس أسقفية الرباط الكاردينال كريستوبال لوبيز روميرو، وعدد من الشخصيات الدينية والفكرية والمبرزين في الدراسات ذات الصلة.
وشهد اليوم الأول للمؤتمر عقدَ جلستين علميتين تناولت الأولى محور «الإلحاد في السياق المعاصر.. عرض ونقد»، بينما تناولت الجلسة الثانية محور «الإيمان في ضوء التكنولوجيا المعاصرة.. الرهانات والتحديات».
كما شهد اليوم الأول عقد ثلاث وُرش عمل تمحورت الأولى حول «الاعتقاد والقضايا الحارقة في عالم متغير»، والثانية حول «الإيمان في عالم اليوم ووظيفية الأبعاد التمثيلية والمعرفية والفكرية»، بينما تمحورت الثالثة حول «الإيمان في عالم متغير.. الأبعاد العلائقية والأنساق الاجتماعية».
وتتواصل أعمال المؤتمر اليوم عبر ثلاث جلسات علمية، تتناول الأولى محور «الطفرة الرقمية وظهور المؤثرين الجدد في التدين»، وتتناول الثانية محور «مكانة النظريات الفلسفية والمعرفية في تشكيل المفاهيم والتاريخ والحضارة»، بينما تتناول الثالثة محور «البناء الإيماني.. الواقع والاستشراف».
ويشهد المؤتمر في ختام أعماله إعلان وثيقة «الإيمان في عالم متغير» التي تمثل بياناً مهماً من النخب والرموز الدينية والفكرية العالمية حول الإيمان في مواجهة الإلحاد، مع التأكيد على وجود الاختلاف بين العقائد الدينية والفكرية في معنى الإيمان بالله، وإنما ينصب الحديث وتظافر الجهود على مواجهة الأفكار العدمية الإلحادية.