منذ أن بدأت قوة التأثير الجمعي للسوق الاستهلاكية، وذلك في خمسينات وستينات القرن الماضي وعلا صوت القوة الإعلانية والوسائل الدعائية بدأت تظهر قوى الجمع، منتج جديد يجتمع الناس حول العالم على أهميته وضرورة اقتنائه. وقويت هذه الوسيلة بظهور شخصيات شهيرة ومعروفة وناجحة تروج لهذه المنتجات، فبات وقتها من المألوف مشاهدة نجوم السينما والرياضة يروجون للعطور والساعات والسيارات والأكلات السريعة والمشروبات الغازية ويلقى هذا الترويج النجاح الساحق والمذهل.
واستمرت هذه الحالة في تزايد وصولاً إلى حقبة وسائل التواصل الاجتماعي التي شهدت معها ولادة ما يسمى بالمؤثرين اجتماعياً وهو تعريف لأشخاص مشهورين جداً يمتلكون حسابات على منصات التواصل الاجتماعي ويتابعهم عشرات أو مئات الآلاف وأحياناً الملايين، وهؤلاء المتابعون يتحولون إلى ما يشبه القطيع في أتباع «المؤثر» يأخذون رأيه ويتبعون اقتراحاته بلا جدال ولا نقاش.
وتحولت حالة المؤثرين هذه إلى منجم ذهب بالنسبة إلى المصنعين ومسوقي العلامات التجارية الكبرى ومقدمي الخدمات بمختلف أنواعها وأشكالها.
وزادت فعالية وتأثير المؤثرين مع شراسة التطبيقات الجديدة وضراوة الخوارزميات المستخدمة فيها، فحتما جيل الفيسبوك غير جيل التويتر وغير جيل السناب شات وغير جيل الإنستغرام، ومؤكد أنهم جميعاً في واد وجيل التيك توك في واد آخر تماماً.
قطيع لا يفكر كثيراً، قطيع يسلم قراره لغيره ويجعل مسؤولية التفكير من نصيب غيره. واقع مهم ولافت وخطير.
والآن يبدو أن العالم سيشهد دخول حالة الشلل التفكيري حيز الواقع والوجود الفعلي، لذلك وهو يستعد لأن تكون تطبيقات الذكاء الاصطناعي جزءاً أساسياً وحيوياً من حياته بشتى مجالاتها ونطاقاتها.
قدرات الذكاء الاصطناعي المتعاظمة، والتي لم يعلن عن حقائقها سوى القليل جداً، تنذر بمرحلة غير مسبوقة من التاريخ البشري والإنساني والذي كان التفكير فيه أحد أهم سمات وأسباب التطور حتى إن أحد أهم الفلاسفة الغربيين الفرنسي رينيه ديكارت ربط التفكير بالوجود الإنساني، وذلك في مقولته الشهيرة «أنا أفكر إذا أنا موجود»، واليوم تواجه البشرية مستقبلاً قد يبدو فيه التفكير نفسه جزءاً من رفاهية الماضي.