التقى نائب وزير الخارجية السعودي، وليد بن عبد الكريم الخريجي، اليوم في الرياض، مع مساعد وزير الخارجية الياباني، كييتشي إيواموتو، لمناقشة سبل تعزيز العلاقات السعودية اليابانية والتعاون المشترك في مجالات متعددة. يأتي هذا اللقاء في إطار الجهود المستمرة لتطوير الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، خاصةً بعد إطلاق “رؤية السعودية اليابان 2030”. ويهدف الجانبان إلى تعميق التنسيق في القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المتبادل.
أكدت وزارة الخارجية السعودية أن الاجتماع، الذي جرى اليوم، ركز على استعراض شامل للعلاقات الثنائية وسبل تعزيزها، بالإضافة إلى بحث مجموعة من القضايا التي تهم كلا البلدين. ووفقًا للوزارة، فقد تم التأكيد على أهمية مواصلة التشاور والتنسيق بين الرياض وطوكيو لتحقيق الاستقرار والازدهار في المنطقة.
أهمية الحوار الاستراتيجي في تطوير العلاقات السعودية اليابانية
يعتبر الحوار الاستراتيجي بين المملكة العربية السعودية واليابان آلية رئيسية لتعزيز التعاون الثنائي وتوسيع نطاقه ليشمل قطاعات جديدة. وقد انعقدت الجلسة الافتتاحية لهذا الحوار في سبتمبر 2023، مما يشير إلى التزام الجانبين بإضفاء الطابع المؤسسي على هذه الشراكة. ويهدف الحوار إلى تحديد أولويات التعاون المشترك ووضع خطط عمل ملموسة لتحقيقها.
جذور تاريخية وطموحات مستقبلية
تمتد العلاقات بين السعودية واليابان إلى عام 1955، وشهدت تطوراً مستمراً على مر العقود. ومع ذلك، شهدت هذه العلاقات دفعة قوية في عام 2017، مع الزيارة التاريخية للعاهل السعودي الراحل الملك سلمان بن عبد العزيز إلى طوكيو. خلال هذه الزيارة، تم الإعلان عن “رؤية السعودية اليابان 2030″، وهي مبادرة طموحة تهدف إلى تحقيق التكامل الاقتصادي وتعزيز التعاون في مجالات مثل الطاقة والتكنولوجيا والبنية التحتية.
تستند الرؤية إلى نقاط قوة كل من البلدين، حيث تسعى السعودية إلى الاستفادة من الخبرة اليابانية في تطوير قطاعاتها الصناعية والتكنولوجية، بينما تتطلع اليابان إلى تعزيز استثماراتها في السوق السعودية المتنامية وتأمين مصادر موثوقة للطاقة. وتشمل المشاريع التي تندرج تحت هذه الرؤية مبادرات ضخمة في مجالات مثل الطاقة المتجددة والبتروكيماويات والسياحة.
مذكرة التفاهم وتأكيد الالتزام
في سبتمبر 2023، ودّع وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، وزير الخارجية الياباني السابق يوشيماسا هاياشي، بتوقيع مذكرة تفاهم بشأن إنشاء الحوار الاستراتيجي بين البلدين. هذا الإجراء يمثل خطوة مهمة نحو تعزيز التعاون المنتظم والممنهج بين البلدين. ووفقًا لبيان صادر عن وزارة الخارجية السعودية، فقد أكد الوزيران خلال الاجتماع الأول للحوار على عمق الروابط بين الرياض وطوكيو، وأهمية مواصلة التنسيق في مختلف المجالات.
يشمل التنسيق المقترح مجالات السياسة والاقتصاد والأمن، بالإضافة إلى التعاون في إطار المنظمات الدولية والإقليمية. وتتضمن المناقشات أيضًا تبادل وجهات النظر حول التطورات الإقليمية والدولية الراهنة، والعمل المشترك لمواجهة التحديات المشتركة مثل الإرهاب والتغير المناخي. بالإضافة إلى ذلك، تشهد الاستثمارات اليابانية في السعودية نموًا ملحوظًا.
كما استعرض الجانبان التعاون في مجال الطاقة، وهو قطاع حيوي يربط بين البلدين. وتُعدّ السعودية من أكبر موردي النفط لليابان، بينما تسعى اليابان إلى نقل تقنياتها في مجال الطاقة النظيفة إلى المملكة. وتشمل المشاريع المشتركة في هذا المجال تطوير مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والهيدروجين.
من الجدير بالذكر أن التعاون الاقتصادي بين السعودية واليابان لا يقتصر على قطاع الطاقة، بل يمتد ليشمل مجالات أخرى مثل البناء والتشييد والخدمات المالية والتأمين. وتشجع رؤية 2030 على زيادة الاستثمارات اليابانية في هذه القطاعات، وتوفير بيئة جاذبة للأعمال.
وفي سياق منفصل، تولي كلا الدولتين اهتماماً كبيراً بتعزيز التبادل الثقافي والسياحي. وتعملان على تسهيل إجراءات السفر والإقامة للمواطنين من كلا البلدين، وتنظيم الفعاليات الثقافية التي تهدف إلى تعريف الجمهور بمدن وتقاليد وثقافة كل منهما. وتشهد السياحة السعودية اقبالاً متزايدًا من السياح اليابانيين.
من المتوقع أن يستمر الحوار الاستراتيجي بين المملكة واليابان في عقد اجتماعات دورية، بهدف متابعة تنفيذ المشاريع المشتركة وتقييم التقدم المحرز. ومع ذلك، فإن نجاح هذا الحوار يعتمد على قدرة الجانبين على التغلب على أي عقبات قد تواجههما، وعلى الحفاظ على الزخم الإيجابي الذي تشهده العلاقات الثنائية. والوضع الجيوسياسي المتغير في المنطقة يظل عاملاً مؤثراً يجب مراقبته.
