«عكاظ» استثمرتْ حضوره إلى الباحة لتقديم ورقة عن تحديات الفلسفة، فخرجنا بهذه المثاقفة القائمة على تقاطع ثقافي وفكري وإنساني بحكم عمق الصداقة مع الضيف، فإلى نص الحوار:
• من أكسب الفلسفة شرعيتها في المملكة؟
•• الأمير محمد بن سلمان؛ فالرؤية السعودية شملت وتبنت المادي والمعنوي والأدبي والمعرفي والإنساني، إضافةً إلى التنموي والسياسي والاقتصادي، وإن كانت الفلسفة لم تبدأ اليوم، إلا أنها ظلت جهوداً فردية، ولكن رؤية المملكة تنويرية، ودخول التفكير الناقد وتأسيس جمعية الفلسفة من تجلياتها.
• لمن تعزو أبوّة الفلسفة السعودية؟
•• لعلنا لم نبلغ بعد هذه المرتبة، لنرتب الأبوّة والبنوّة والتبني، فهناك جهود تنويرية منذ توحيد البلاد، ومن الصعب على النفس تزكية الذات، وللدكتور سعد البازعي كبير فضل باحتضان حلقة الرياض الفلسفية.
• ماذا عن أسبقية وأحقية الأستاذ إبراهيم البليهي بالأولوية؟
•• له إسهامات مشكورة، إلا أن نقده حاد، ومنهجيته غير متفائلة، ويركز على جلد الذات، ويظل ضمن جهود كثيرة، وله التقدير والاحترام، ولنا حق الاختلاف معه.
•هل بالإمكان أن تكون عندنا فلسفة سعودية؟
•• الفلسفة نزعتها إنسانية، واهتمامها بالإنسان، وليست مخصوصة بمكان أو مجتمع، وإن كنت تقصد نسبة الفلسفة لليونان فذاك بحكم تبنيها وتأثرها بثقافة وتاريخ المكان، ومتى اعتنينا بالفلسفة والإنتاج والإصدارات فلا حرج في وصف النتاج بفلسفة سعوديين.
• ألا تنازع الفلسفة الأنسنة؟
•• نستطيع الجمع بين الإنسانية والفلسفة، فكل معطىً فكري ومعرفي ينفع ولا يضر إلا إذا تعصّب.
• ماذا عن خطورة الفلسفة على المبادئ والقِيَم؟•• الفلسفة ليست ضد الهويات ولا الانتماء ولا الوطنية ولا الدِّين، بل هي محفّز للوعي الناقد الواعي، وتخصصها طرح مفاهيم وأفكار قابلة للنقاش، وهي أُم العلوم، فكل عِلم وُلِد من رحم الفلسفة.
• كيف نؤثر على المجتمع فلسفياً؟
•• هناك فرق ومسافة بين انتشار الفلسفة والقبول بها وبين ثقافة المجتمع، الطرح الفلسفي نخبوي، إلا أن التنوير يمكن أن يكون صلة الوصل مع المجتمعات، وهذا يحتاج إلى تبسيط المفاهيم.
• ما الذي يمكن أن يُحدثه صراع التيارات من أثر على الفلسفة؟
•• هناك نزاع وصراع وتدافع بين الصحوة، والحداثة، والعولمة، والنزاع الداخلي يعالجه التنوير، وهناك نزاع في منظومة الفلسفة وما يتعلق بالإنسان، ولا ريب أن الخلاف مرفوض، لكن الاختلاف ظاهرة صحية.
• كيف تقيّم آثار الصحوة علينا؟
•• مصطلح الصحوة «مُخاتل»، وانطلى على بعض المثقفين؛ منهم الناقد الدكتور سعيد السريحي، إذ كتب «كي لا نصحو»، فالمصطلح مغلوط ومن تسمية الأشياء بغير اسمها الحقيقي للتسويق والقبول، وأثرها لم ينتهِ، وربما لا ينتهي كليّاً في زمن قريب.
• متى نتخلّص من الآثار؟ وهل للفلسفة دور في التخلص؟
•• لا نستطيع أن نعوّل على الفلسفة بمفردها، فالمجتمع رهن نفسه للخطابات المدجنة والمؤدلجة طيلة عقود، وليس من اليسير أن نعد بحلّ الإشكالات دون إسهامات علم النفس، وعلم الاجتماع والدراسات الإنسانية، وكذلك النخبة المجتمعية.
• الواعظ يقدم إجابات والفلسفة أسئلة، أي الكفتين أرجح مجتمعياً؟
•• اتفق معك نسبياً في كون الفلسفة لا تطرح إلا أسئلة، بل هي تعطي إجابات مرنة، إلا أنها غير قطعية، ومنفتحة على تساؤلات لا نهائية، وهذا الفرق بينها وبين الأدلجة التي من سماتها الانغلاق، وأتفق معك أن الإنسان العادي يطمئن للإجابة أكثر من ثقته في الأسئلة، كون الأسئلة تضعه في مأزق، وتدخله مسارات حرجة، وتلزمه باستخدام عقله، والارتقاء بوعيه، وهذه أعباء مُكلفة لفهم القضايا الكبرى، والتحديات أمام الفرد متراكمة وتحتاج لتجاوزها قراءة وانفتاحاً.
• ماذا عن خطر الاستلاب بالرقمنة؟
•• الخطورة في القبول بالتلقين والتلقي دون مراجعة ولا مساءلة ناقدة، لا بد من التوازن، والعولمة قاربت بين البشرية، وتقدمت بفضل التكنولوجيا، والإعلام الجديد، إلا أنها زرعت ثقافة الاستهلاك وهمّشت القضايا الكبرى، وأضعفت المبادئ والقِيَم ما ينعكس سلباً على الوعي العام.
• كيف يمكن تحصين هويتنا الفلسفية؟
•• ربما تضيف الفلسفة أبعاداً تحصينية، من خلال التنوير لا العُمق، فالعمق يخاطب التعقيد، وللمجتمعات قناعات منها الهوية والقيم، ولا تعترض الفلسفة على أيٍّ منها طالما لم تتعصب وتنبذ وتُقصي، أو تحولها لقيم سلبية، والانتماء مطلب طالما لا يوصل للتمييز.
• بماذا يمكن استثارة العقل واستثماره؟
•• التنوير مثير لقضايا يمكنها استثارة التفكير، لكن الفلسفة لا تقدّس العقل، وإن كان معيار أغلب القضايا العقل والمنطق إلا أن واقع الحياة أعقد مما نتصور، إلا أننا نطالب باحترام العقل في كل الأحوال وإن لم يوفّر الحلول التي نطمح لها.
•ما شرط نجاح رؤية المملكة؟
•• الرؤية مشروع حياة لوطننا وللبشرية، ومن الواجب أن تتضافر جهود الجميع بكل الأطياف لتعزيز واقعية الرؤية، والتكامل لاكتمالها.
• ما أبرز معوقات الفلسفة؟
•• للمشروع الفلسفي في المملكة تحديات من داخله؛ منها النمذجة، وخلاف التيارات، وتهميش المعرفة، وإغفال منجز الحداثة، والعودة للأساطير والخرافات، وخارجياً ثقافة المجتمع واستماتته في سبيل العادات والتقاليد وتقديس التراث دون مراجعة ولا تمحيص، فالمجتمع يتورّط بالتلقي والتقديس، علماً بأن تراثنا عظيم، ويحتاج للغربلة فقط.
• ما مدى خطورة الفلسفة على الدِّين؟
•• معظم الفلاسفة مؤمنون، والملحدون منهم لم يكشفوا إلحادهم في كتبهم، بل كثير من الفلاسفة الملحدين ذوو أخلاق عالية وتعامل راقٍ.
• ما تصورك لمستقبل الجمعية الفلسفية؟
•• التحيّز للفلسفة يهدمها، فهي تحترم الاختلاف، وطريقة تفكير المجتمعات يفرض عليك موضوعية التعامل معها، والتوازن، واستثمار طرح الإصلاح الديني، بحكم أنه يُغذّي المجتمعات بجرعات نقدية ويرفع مستوى حسّ المراجعة والمساءلة، ليعيد قراءة التراث بوعي، دون عدمية مُفرطة، ولا وثوقية مُطلقة.
• كيف تنظر لمحاولة البعض أسلمة الفلسفة؟•• لا يمكن، وهذا مشروع الإسلام السياسي، الذي هو حقاً لا يمثّل الإسلام، ومشروعه أوسع من فكرة توجيه الفلسفة، ومن سلبيات أي مشروع حضاري أن يتأدلج، والأسلمة خطيرة على مشاريع التنوير، وورد في القرآن: «لست عليهم بمسيطر»، وقال الرسول: «أنتم أعلم بشؤون دنياكم»، وهو لا يضع قواعد ثابتة للمجتمع، بل عقيدة، وفقه قابل للتعدد، وتجدد الفهم.
• ما الذي تخشاه على مشروع الفلسفة؟
•• التحديات كبيرة، ولكن إشراك المجتمع ضرورة، وتفعيل دور المؤسسات المدنية والأكاديمية.
• بماذا توصي القائمين على مقرر التفكير الناقد؟
•• التجرد من أي انتماء سوى الانتماء للمعرفة، ومدّ الفروع نحو الجامعات والفضاء العام.
• كيف تقيّم مشاريع الفلسفة عربياً؟
•• ليست ناجحة تماماً، ولم تحقق المرجو منها، وانغلق البعض على نفسه مع الأسف، كانت محطة الفلسفة في العراق وسورية ومصر ولبنان، ثم المملكة، ومنذ ثلاثة عقود استوطنت المغرب والجزائر بحكم الاستقرار المجتمعي، وإن كان دورهم محدوداً في إطار فرانكفوني.