هذا التبادل في الأدوار شهدناه في كل مكانٍ عبَث فيه «الإخوان» بسلامة واستقرار مجتمعات عربية عدة. وهم يتبادلون الأدوار التحريضية لأنهم لم ينجحوا في تحقيق أهدافهم في الوصول إلى الحكم؛ في مصر، والسودان، وتونس، والأردن. وها هم بعد هجوم 7 أكتوبر 2023 يخسرون ويمزّقون الصف الفلسطيني، إذ خرج قادة «حماس» من ذلك الحكم الانقلابي من دون أي إنجاز يُفاد أو يستفيد منه شعب غزة. وبعد كل مآسي غزة الحالية، استفاقوا ليرفضوا فكرة إقامة حكومة وحدة وطنية، وليرفضوا تشكيل حكومة تكنوقراط للسلطة الفلسطينية يراها العالم أفضل حل لبسط السيطرة الإدارية على قطاع غزة والضفة الغربية.
الأردن ليس غريباً على العبث الإخواني. صحيح أن «إخوان الأردن» حاولوا في صندوق الانتخابات، والاندماج في الحكومات والتشكيلات الإدارية، لكن المشكلة الحقيقية تتمثل في أن «العقيدة الإخوانية» لا تتغير في كل البلدان العربية والإسلامية: الوصول إلى الحكم بأي شكل، تغيير جلودهم، التُّقية، انقلاب عسكري، ائتلاف مع جماعات متقاربة معهم في الأفكار، ثم بعد ذلك ينفذون إلى المخطط الإخواني الخبيث، الذي لا يعترف بحدود سياسية، ولا سيادة لأي بلاد؛ وصولاً إلى السيطرة والتحكم، تمهيداً لابتلاع الأنظمة التي تحكم تلك البلدان، واستخدام قدرات الدول التي يلتهمونها لمنازلة القوى الدولية، وإذكاء الاضطراب في كل مكان.
وعلى رغم عمليات «تغبيش الوعي»، التي يقوم بها الإخوان المسلمون، قد تسفر عن تقدمهم في انتخابات هذا البلد أو ذاك، إلا أنها دوماً مسنودة بـ«تسييس» الدين، وتوظيف العاطفة الدينية لغرس الخلافات العقدية بين المجتمعات، وتأجيج الفروقات المذهبية بين الشعوب، ولا يردعهم فشلهم وسقوطهم في أي مكان عن جمع شتات كياناتهم المحلية والدولية لاستئناف معاركهم الخاسرة، التي لا تجني منها الشعوب سوى الويلات والدمار والموت.
غير أن الأردن -على وجه التحديد- عصيّ جداً على التحريض «الإخواني»؛ فقد ظلت الدولة الأردنية جاهزة على الدوام لمواجهة الأساليب الإخوانية العبثية، وقادرة على اتخاذ القرارات السيادية الكبرى طبقاً لمصالح الأردن، ومتطلبات أمن المنطقة الملتهبة، وليس استجابة للتحريض، وحملات التضليل، كما حدث أخيراً هناك. ويبقى الأردن قوياً وصامداً بوجه محاولات التفتيت، وإثارة الاضطرابات، و«تديين» السياسة والسيادة. وهو صمود أبقى عمّان لاعباً أساسياً مهماً في الحيلولة دون مشاريع التفتيت، والشرق الأوسط الجديد، وإعادة رسم خرائط المنطقة بما يحقق مصلحة إسرائيل.
لقد أفضت حرب 7 أكتوبر إلى تدمير القدرات الأساسية لحركة حماس، وتقليص قدراتها العسكرية إلى درجة أن إعادة بنائها قد تستغرق عقوداً، إذا لم تكن مستحيلة تماماً، لذلك لم يعد أمام «الإخوان المسلمون» شيء سوى التحريض، بحثاً عن إشعال الحرائق هنا وهناك. وكانت السلطات الأردنية صارمة وحاسمة في تصدّيها للتحريض «الإخواني» الأخير، ما منع توسع رقعة الحريق، وفرض أولويات خارج نطاق سياسات الحكومة الأردنية.
الأكيد أن إلغاء معاهدة «وادي عربة»، أو «كامب ديفيد»، ليس قراراً يملكه الإخوان المسلمون، وكياناتهم السرطانية الغبية الجشعة، بل هو قرار للسلطات السيادية في كل دولة أملت عليها ظروفها الدخول في معاهدات سلام مع إسرائيل. ولا شك في أن المساعي التي يبذلها الأردن لإحلال السلام ستظل ركيزةً لاستقرار المنطقة، وترسيخاً للخطوات القائمة على مبادرة السلام العربية (2002). وكلما حاول «إخوان الشيطان» النهوض لاستئناف سعيهم اليائس إلى الهيمنة سيجدون أنفسهم مثل من كتب عليه أن يحمل «صخرة سيزيف».. إلى ما لا نهاية.