وينطبق هذا الملء على الماديات المحسوسة، أو الأفكار المبثوثة بين الناس، ولأن الأفكار هي الطاقة الدافعة للبشر، في تحركاتهم لإحداث أثر ينعكس على حياة المجتمعات في إيجاد الوسائل أو الأدوات المستخدمة، ويكون الملء نعيماً ذا أثر محمود إن كانت الأفكار صحيحة المبنى والمعنى، استراتيجيتها استهداف نمو الإنسان والمكان.
وليس هناك مجتمع يسير من غير إيمان بفكرة يتبناها (بغض النظر عن إيجابيتها أو سلبيتها)، وكلما كانت الأفكار ذات نزعة مستقبلية، أحدثت تطوراً اجتماعياً لذلك المجتمع الذي أخذ بها، وعمل على تنفيذها واقعياً.
وأي مجتمع بحاجة إلى قيم يتمسك بها الأفراد، وتكون أفكارها باعثة إلى نمو الحياة، وتقدمها.
ويخبرنا التاريخ أن أي فكرة سلبية (متحجرة) تبقي الحياة ثابتة في مكانها حتى إن عاشت بعض الوقت، إلا أنها تحمل بذرة فنائها في ذاتها، فالأفكار السلبية صفتها الرئيسة كونها مجترة ماضوية لوجودها الأول؛ أي أن قاعدة الاجترار هذه تستلهم انتصارات الفكرة في منشئها الأول، وهذ خلل فكري، لأن الفكرة ما لم تكن مستشرفة للغد، فسوف يصيبها التكلس، وتثبت في مكانها إذا لم تزل بفعل الزمن وتغيراته.
والحمد لله أنه جعل صيرورة الحياة قائمة على التدافع، وهذا التدافع ينساق مع حركيّة الحياة التي تردم أي فكرة سلبية تبطئ من حركيتها.
وعلى المجتمعات استغلال فرصة انخفاض مد الأفكار السالبة لاكتساب مساحات متقدمة لإنماء الحياة، وإكسابها مساحة كبيرة من التقدم، بحيث لا يستطيع أي فكر مثبط أن يجذبها مرة أخرى إلى موقع التخندق في الماضي.
وإذا آمنا بتموج الأحداث (كموجة لها ارتفاع وانخفاض)، فإن الأفكار السلبية سوف تعود للسيطرة، ولهذا كلما اكتسبت الأفكار الإيجابية مد خطواتها المستقبلية، عجزت الأفكار السلبية في جذب الحياة للخلف (إن عادت).
ولأول وهلة شعرت أن اجتثاث الإرهاب والتشدد اللذين كانا يتغذيان على الأفكار السلبية، أحدث فراغاً يستوجب ملؤه بأفكار إيجابية تؤمن بالحياة وبشعار (الحياة في سبيل الله)، وهذا ما نعيشه الآن بفضل من الله، فكل مستويات الأفراد الاجتماعية منشغلة بالتفكير في صناعة الغد، مستخدمة أدوات المعرفة في العلوم، والآداب، والفنون، والرياضة، وخلف هذا الانشغال دعم مالي ضخم لكسب مساحات شاسعة من أجل استيطان الغد.