فجأة قال صاحب الدار بجوارنا مركز صحي جديد أرى أن آخذ ابني إليه سريعاً على الأقل لإجراء الإسعافات الأولية ومعرفة حالته الصحية وتداركه قبل أن يستفحل الأمر، امتعض البعض وتأفف الآخرون وأمام قلق الأب وحيرته ونحيب الأم الذي يأتينا خافتاً شجعناه على الذهاب إلى هذا المركز لمعرفة حال ابنه وطبعاً ذهبنا جميعاً معه (فزعة) وكنا ثمانية كعادة وطبع متأصل فينا.
لأول مرة أدخل مركزاً صحياً يقع في أحد الأحياء، وقد فوجئت بمدى نظافة المركز وتنظيمه وسرعة الإجراءات الطبية التي اتخذها الجهاز الطبي والتمريضي.
دقائق مرت والطفل محل عناية واهتمام من طبيب معالج إلى تمريض متقن إلى أدوية متوفرة وأجهزة طبية تعمل بدقة.
طمأنوا الأب أن ابنه بخير فقط يحتاج إلى بعض العلاجات لتحسين فقر دمه فهو يشكو من أنيميا حادة.
أخذنا العلاج والطفل وعدنا لتناول طعام العشاء وبقية السهرة، بعد أن استكانت نفوسنا من أثر الفجعة، عرفت في ما بعد أن هذه المراكز الصحية هي أحد غراس وزارة الصحة منتشرة في مدن المملكة وتقدم خدماتها الطبية لسكان الأحياء وتوفر لهم العلاج والدواء وتعطيهم التطعيمات اللازمة في سرعة ويسر وسهولة.
وصل عدد هذه المراكز الصحية الأولية في المملكة وفقاً لإحصائية وزارة الصحة إلى (2390) مركزاً تم توزيعها على (20) منطقة من مناطق المملكة المختلفة.
إن مركز الرعاية الطبية الأولية هو المكان الذي تبدأ منه الاستشارات ومعرفة حالة المريض وتقييمها طبياً وتقديم العلاج اللازم له أو إحالته إلى المستشفيات إذا استدعت حالة المريض ذلك.
هذه المراكز الصحية تخفف الضغط العالي على المستشفيات المرجعية والتخصصية وكذلك على باقي مستشفيات وزارة الصحة وتترك المجال لأصحاب الأمراض المستعصية والعمليات لتلقي علاجهم اللازم بتكلفته المادية العالية بدلاً من مزاحمتهم على الطوارئ والأسرّة ذات التكلفة العالية لمجرد الإحساس بإنفلونزا أو مغص أو صداع عابر.
حتى ولو كان لديه ملف طبي مفتوح لدى المستشفيات العامة أو التخصصية والمرجعية فهو بفعله هذا قد يحرم مريضاً محتاجاً من تلقي العلاج اللازم لإنقاذ حياته.
فعلى المواطن أن يدرك ويعي حقيقة هذه المراكز ويؤمن بدورها وأنها تقدم له خدمة طبية مميزة ورعاية صحية متقدمة وتقوم بصرف الأدوية التي يحتاجها.
إن ما تتميز به مراكز الرعاية الصحية الأولية قربها من احتياجات ذوي الحالات الطبية والصحية الطارئة واستقبالهم دون مشقة أو حاجة للوصول إلى المستشفيات الكبيرة لانتشارها في الأحياء السكنية.
وهذا من شأنه أن يعطي المخطط للخارطة الطبية في المملكة المساحة التي يحتاجها للالتفات للتطور الرأسي بإعداد وتأهيل التخصصات اللازمة لمواكبة إيقاع التطور التقني وتأهيل الكوادر الطبية المتخصصة والمرافق والأجهزة الفنية، أي باختصار لتطوير كافة المطلوبات المؤسسية اللازمة التي تدعم تنافسية القطاع الطبي الصحي والعلاجي عالمياً.
بالنظر إلى المستقبل يتم التخطيط لتوسيع الخدمة الصحية وفقاً لبرنامج تحول القطاع الصحي أحد ركائز رؤية 2030. فالإنسان أولاً هو محور وغاية التنمية المستدامة، وهو في الوقت ذاته «وسيلة» تحقيقها. وفي رؤية المملكة هذا ليس مجرد شعار يطلق في الهواء. ففي باب «نراعي صحتنا» أكدت الرؤية على تركيز القطاع العام على توفير الطب الوقائي للمواطنين وتشجيعهم على الاستفادة من الرعاية الصحية الأولية كخطوة أولى في خطتهم العلاجية. وسندرّب أطباءنا لرفع قدراتهم على مواجهة وعلاج الأمراض المزمنة التي تشكل تحدياً وخطراً على صحة مواطنينا مثل أمراض القلب والسكر والسرطان. كما تعهدت الرؤية ضمن التزاماتها بزيادة متوسط العمر المتوقع من (74) إلى (82) عاماً. وإيجاد المزيد من التخصصات النوعية ذات الأولوية في الخدمات الصحية، وتمكين المستفيدين من اختيار مقدم الخدمة الملائم لاحتياجاتهم. وهكذا وعلى هذا النهج بترافق التطور الأفقي والرأسي.
أن خططاً طموحة بهذا المستوى العالي تحتاج إلى رافعات أكاديمية وبحثية تكون حواضن لتفريخ الكوادر المؤهلة لإنفاذها وتحقيقها على الأرض. ومن الأحداث ذات الدلالات في هذا السياق احتفاء الهيئة السعودية للتخصصات الصحية، في شهر نوفمبر الفارط بتخريج (9552) خريجاً وخريجة من برامج البورد السعودي والأكاديمية الصحية في رحاب جامعة الملك سعود برعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز (حفظه الله). وذلك في إطار الدعم السخي للقيادة الرشيدة لتحسين جودة كفاءة الكوادر الطبية للإسهام في دعم تنافسية المواطن عالمياً، وضمان جاهزية المواطنين في جميع مراحل الحياة من خلال الاستثمار في المواهب والكفاءات الوطنية تحقيقاً لمستهدفات رؤية السعودية 2030.
فلا بد أن نعى دورنا كمواطنين ونساعد على إنزال الرؤية على أرض الواقع، بعد أن أعطت القيادة الحكيمة للقطاع الصحي العام والتخصصي بالذات كل الدعم والاهتمام من أجل تطويره ليواكب المستجدات العالمية ويصل إلى المكانة التي يستحقها.
فكثيرة هي النجاحات التي تحققت وأصبحت واقعاً ملموساً بالدعم الكبير الذي يجده القطاع الصحي والتخصصي من قيادتنا الرشيدة، التي ما فتئت تمنح هذين القطاعين الكثير من عنايتها الكريمة ودعمها، فكانت ثمرة ذلك ما نشهده من تطور وتقدم، والحمد لله رب العالمين.