ولذا تظل الحياة في داخلك حتى لو غدوت رميما!
فالتأبين أحد المنغصات في حياتنا.
فكلما سقط منك عزيز لجأت إلى التأبين لتسد فجوة سقطت من عمارتك الذاتية.
كل الراحلين لبنات تهاوت من ذواتنا، فلا نجد سوى إفراط الحزن على ما فقدنا.
كيف يمضي الزمن بهذه السرعة؟
وكلما تقدم للأمام وقطف منا نفساً، استشعرنا بقرب الدور..
جرار الفخار صنعت من طين ومها تم استخدامها يوما ما سوف تُكسر، والكسر أن لا تكون في حالتك الطبيعية، وفقد الحالة تصبح كسرة كان يقال عنها إنها آنية!
كلنا أوانٍ ما زلنا في حالة استعمال من قبلنا ومن قبل الآخرين، إلا أننا سنغدو كسراً لا يجمع بيننا إلا الكسر!
الكسر ليس له عمر، تكسر آنية وهي بين يدي صانع الفخار وقد تعمر لتصبح موروثاً أو أداة استدلال أثري، ومهما عبرتنا الأيام سنكسر!
لذا لا أكره شيئاً محدداً سوى التأبين، أفر منه كالفرار من مواجهة حيوان مفترس، غالباً لا أعزي أحداً في فقيد، فلغة العزاء لغة ميتة، فكيف أُعزي ميتاً بميت؟
أناس أعرفهم وأحبهم كثيراً إذا مات أحدهم لا أقوم بتعزية ذويهم، ولو فعلت يكون عزائي كلمات سريعة مستهلكة وألوم نفسي، كيف تتجرأ أن تنهي حياة بكلمات مستهلكة. وهروبي من العزاء هو محافظة على إبقاء المفقود حياً في داخلى، وأروي هذا الخاطر بأن المفقود ضاع في مسارات الحياة وسوف أجده ذات يوم لنتذكر ما فعلنا في حياتنا.
ويمكن إلغاء الفقد ببقاء من تحب في دواخلنا، ويمكنك أن تروي حضوره الداخلي بالسلام عليه كلما خطر بالبال.
أحبابنا هم ذواتنا، فكيف نقطع ذواتنا باليقين أننا فقدناهم، أو طمرنا عليهم الأتربة؟
الحياة أن تكون باقياً بمن تحب، أما الموت فهو أن تدفن من تحب.
يقول ابن عربي: ماء الحياة هو العشق!
فكيف يمكن أن تحيا من غير ماء؟ ابقوا عشقكم لمن تحبون فهم الماء..
والماء مهما غار سيظل ماء.